عبد الحسين شعبان – الزمان العراقية
الشرق اليوم- خصّص ملتقى الرافدين للحوار مؤتمره السنوي لبحث إشكاليات الدولة العراقية ومشكلاتها بعد مرور 100 عام على تأسيسها في 23 آب 1921، بحضور رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وشخصيات سياسية وازنة ونخبة من الأكاديميين والباحثين والمفكرين، وذلك تحت عنوان ” العراق في مائة عام : مسارات مضطربة وأزمات متجددة”.
وكان المؤتمر فرصة للحوار وتبادل وجهات النظر واستمزاج الآراء والإستئناس بأفكار ذات مشارب مختلفة ومن شخصيات عراقية وعربية ودولية تمثل اتجاهات متنوّعة، فالحوار لم يعد ترفاً فكرياً أو نزوة عابرة، بقدر ما أصبح ضرورةً وامتيازاً في آن، بعد أن وصلت العملية السياسية ،التي تأسست بعد الإحتلال الامريكي للعراق في العام 2003? إلى طريق مسدود، واستمرار ظاهرة انتشار السلاح خارج الدولة وتغوّل جهات ما دونها لتصبح ما فوقها في ظلّ نظامٍ يقوم على المحاصصة والتقاسم الوظيفيي الطائفي والإثني.
وكان المؤتمر أيضاً فرصة لإعادة قراءة التاريخ، خصوصاً فترة العهد الملكي وحصول العراق على الإستقلال حتى وإن كان شكلياً ودخوله عصبة الأمم، حيث تمَ تشييد أساسات الدولة العراقية بهياكلها المعروفة ودواوينها وقوانينها وتطبيقاتها وخططها الإقتصادية ومشاريعها العمرانية، وحتى وإن كانت الحريات شحيحة إلا أنه شهد نهوضاً ملحوظاًوتطلّعاً نحو الحداثة والتقدم.
منجزات سياسية
وعلى الرغم مما حققته ثورة 14 يوليو/تموز1958 من منجزات سياسية واجتماعية واقتصادية وفي مقدّمتها الخروج من حلف بغداد وانتهاج سياسه تحررية وتحرير العملة العراقية من شرنقة الكتلة الاسترلينية وتشريع قانون تقدمي لصالح المرأة في العام 1959 قانون رقم 188 وآخر لتحرير الثروة النفطية في العام 1961 قانونرقم 80 ، إلاّ أن العراق عاش أوضاعاً إستثنائية وفترة إنتقالية و شهدحرباً ضد الشعب الكردي واندلاع أزمة المطالبة بضم الكويت مما سهّل الإطاحة بالجمهورية الأولى في العام 1963 ، وزاد من التضييق على الحريات العامة والخاصة وانتهاج سياسة دكتاتورية إستبدادية.
وبعد إنقلاب 17 تموز 1968 حُكمت البلاد بالحديد والنار لنحو 35 عاماً وشهدت خلالها حروباً عبثيّة داخلية وخارجية، أبرزها الحرب العراقية – الإيرانية 1980 – 1988 واحتلال الكويت عام 1990 وما أعقبها من ردود فعل دولية بالحصار الشامل وصولاً إلى الإحتلال العام2003 .
وبعد الإطاحة بالنظام السابق زادت الإنقسامات الداخلية الطائفية والإثنية والتي جرى اعتمادها منذ مجلس الحكم الإنتقالي الذي أسسه بول بريمرالحاكم المدني الأمريكي للعراق، والتي انعكست على قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية والدستور الدائم النافذ لعام 2005 ? والذي قام على مبدأ المكوّنات، ابتداءً من الديباجة مرتان والمواد 9 و 12 و 49 و 125 و 142 وليس ذلك سوى إقرار بالمحاصصة القائمة على الزبائنية السياسية والمغانم والمكاسب بعيداً عن مستلزمات المواطنة والكفاءة والإخلاص للوطن. وحسب ماركس، فإنالذي لا يعرف التاريخ محكوم عليه بتكراره ، فالتاريخ لا يعيد نفسه، وإن حصل ذلك ففي المرة الأولى كمأساة وفي المرّة الثانية كملهاة، علماً بأن التاريخ ماكر ومراوغ حسب هيغل، وبالطبع فلكل تاريخ فلسفة، وفلسفة التاريخ تقوم على معرفة الماضي لدراسة الحاضر واستشراف المستقبل، لأن التاريخ هو أبو العلوم، أما الفلسفة فهي أمّها. وكان كيسنجرقد أجاب أحد طلّابه الذي سأله كيف يمكن أن يصل إلى ما وصل إليه،بأنه حمل معه كتب التاريخ والفلسفة، فمعرفتهما كفيلة بوضع الخطط الصحيحة للحاضر والمستقبل، وهو ما حاولناه منهجاً عند بحثنا للدولة العراقية .
معاناة دولة
لقد عانت الدولة من ثلاث إشكالياتما تزال تعيش معها لدرجة أنها أصبحت معتقة وهي المشكلة الكردية التي تفاقمت وأصبحت شبه مستعصيه بفعل الإضطهاد المزمن، والمسألة الطائفية وهشاشة المواطنة بسبب قوانين مجحفة للجنسيّة وممارسات تمييزية. وكان الملك فيصل الأولوبعد أن حكم المملكة العراقية لنحو 12 عاماً كتب مذكّرته الشهيرة وهي خلاصة تجربته، شخّص فيها المشكلات الثلاث بقوله :” الجهل واختلاف العناصر والأديان والمذاهب والميول والبيئات”. وباستعارة من الروائي أمين معلوف، فإن تلك الهوّيات الفرعية تصبح “قاتلة” إذا تحولّت من ” تطلّع مشروع” إلى “أداة حرب”، وهو ما انفجر في العراق ما بعد الإحتلال الأمريكي، وقاد إلى تطهير طائفي.
وحسب الملك فيصل الأول فإن البلاد العراقية ينقصها الوحدة الفكرية والمليّة والدينية، وتعاني من اختلافات شيعية وسنية وكردية “وأقليات غير مسلمة” كما أسماها، وهو ما أطلقت العنان لهمنظومة 9 إبريل/نيسان 2003 ليصبح معياراً في توزيع المسؤوليات والوظائف، الأمر الذي أضعف هيبة الدولة وعرّضها للتعويم.
وإذا عدنا إلى مذكّرة الملك فيصل الأول 1932 فهي دعوته إلى الوطنية الصادقة وتجاوز الكتلات البشرية المشبّعة بتقاليد وأباطيل دينية وتشكيل شعب سعى لتهذيبه وتدريبه وتعليمه وذلك أحد دروس التاريخ وفلسفته التي على العراقيين وضعها نصب أعينهم إذا أرادوا إعادة بناء الدولة على أسس موحّدة وسليمة معيارها حكم القانون والمواطنة واستقلال القضاء والإقرار بالتنوّع والتعددية والحق في الإختلاف.