بقلم: حسن منيمنة – موقع الحرة
الشرق اليوم- ربما أن “التنوير” كمصطلح، إذ جرى اعتماده في القرن العشرين في المحيط العربي، قد ارتدى ما اعتاد عليه هذا المحيط من فرز للناس إلى عامة وخاصة، ومن قناعة لدى “الخاصة” من المفكرين بأنهم أهل الربط والحلّ، إن لم يكن في موضوع السلطة والسياسة لافتقاد الحيلة، فأقلّه في مجال النظر والاعتبار، والتفوّه الفوقي بما هو الصالح العام، عسى أن يهتدي “العامة”، إذ هم عنه غافلون.
وإذا كانت النية في إشهار “التنوير” استيعاب “الأنوار” التي شهدتها أوروبا، أي الحداثة شكلاً ومضموناً، والتي اتضحت أشكالها وأقوالها في القرن الثامن عشر، فإن المجريات على مدى أكثر من قرنين كانت ولا تزال أقرب إلى متابعة طبيعة الدورة الفكرية الفارزة المعتادة في المحيط العربي.
فكرتان أساسيتان تؤطران “الأنوار”، الأولى هي أن الناس سواسية، والثانية هي أن العالم يُعقل. فكرتان تبدوان بديهيتين، ولكنهما خطيرتان. الأولى تفتح الباب لتحدي سلطة الحاكم المتغلب، سواء تسلّح بالجبروت أو بالمنحة الإلهية، وتوهن هيبة الأشراف وتضع امتيازاتهم موضع البحث، والثانية تساءل الموروث، نصاً وعرفاً، وتعوّل على كل امرئ في دعوته للتبصر والاعتبار.
ليستا فكرتين جديدتين، بل القول بهما يعود إلى غياهب الماضي. الجديد هو أن المجتمعات التي شهدت الأنوار في أوروبا انتقلت رعاية الفكر فيها من الحكام والكهنوت، القصور والأديرة، إلى الأعيان وحواضر المدن، إذ أثرت التجارة الميسورين الجدد، وفتّحت أعينهم على عالم أرادوا أن يفقهوه خارج الإطار المحصور بالموروث، فحسُن لهم تمويل الموسوعات والأبحاث كما الفن والموسيقى.
وكانت “الأنوار”، هذا التبديل في نكهة المجتمع ولغته، فعلاً ذاتياً في التلاقي بين مفكرين تواقين إلى التوسع بأفكارهم ومقتضياتها المتعاظمة، وبيئة تأويهم دون أن تعترض النتائج الطبيعية لأفكارهم الجريئة ودون أن تعمل على تجييرها لنقيضها.
قبلها، غالباً ما أودعت هاتان الفكرتان في نص من الإله، أو النبي، أو الحكيم، قبل أن يتم احتواؤهما ووأد مواليدهما. الناس سواسية كأسنان المشط. إلا النساء والعبيد والكفار خفضاً، والحكام والفقهاء والأشراف رفعاً. والعالم يُعقل. شرط أن يبقى العقل خادماً للنقل لدرء تناقضهما، ويبقى صاحب العقل في طاعة الوصي على النقل، لمنع نشوزه وجحوده.
المعضلة، حين بلغت “الأنوار” ضفاف المتوسط الجنوبية والشرقية هي أنها لم تعد أنواراً تشعّ على المجتمع برمّته، بل صارت “تنويراً” تلقفته “الخاصة”، كما سبق لها أن أمسكت بغيره، والخاصة هنا كانت ولا تزال في ذمة السلطة وخدمتها، ترتاح براحتها وتشقى بشقاوتها، ونادراً ما تخرج عن ملكوتها.
أنوار الغرب كانت فعل تحرر فكري مجتمعي ذاتي. تنوير الشرق فعل وصاية جديدة. في صيغة التفعيل، وغيرها من الصيغ المتعدية، نقيض للأنوار. هي، في بلاد المنشأ كانت استنارة، استفعال، أي فعلاً ذاتياً تلقائياً، ولربما كان من المفيد أن يتلقّاها البعض تفعّلاً، فعلاً ذاتياً متعمداً. أما “التنوير”، التفعيل الجديد، فجاء ليضاف إلى تراث مجيد من التفعيلات والمتعديات بحق هذا الكم التائه الجاهل الغافل من العوام. تفعيلات التجديد والتحرير والتعريب والتصحيح والتعليم والتصويب، وأخواتها من الأسلمة والإصلاح وغيرها. جاء انضمامها إليها “ناجحاً”. حيث أن كلها فاشلة، ولا يشذّ التنوير عن القاعدة.
اليوم، كما بالأمس، “الخاصة” لدينا تتهم “العامة” بالجهل والقصور والرذيلة.
أما الجهل، فلأن العامة لا ترى ابتداءً ما تراه الخاصة، بل الأنكى أنها تتبع خلافه ممّا يتعارض مع الحس السليم. وسلامة الحس هنا هو ما تعرّفه الخاصة وتحتكره، عقلاً أو حدساً أو كشفاً.
أما القصور فلأن العامة تمتنع عن تلقف النِعم التي تجود الخاصة بها عليها، ولا تبجّل الخاصة في غفلة منها عن فضلها وجلال ما تتبعه.
أما الرذيلة، فهي العيب الساقط الذي يفسّر عجز العامة عن الارتقاء من جهلها ومعالجة قصورها. من منظار الخاصة، على تنوع المذاهب، الجهل والقصور ثابتان، أما الرذيلة، فعلى أنواع، وفق ما تمليه هذه المذاهب. هي المعصية والضلالة والكفر لدى الخاصة الداعية إلى الدين والتديّن والإيمان والطاعة والتقوى. وهي الخيانة لدى الخاصة الداعية إلى الجماعة العضوية، العرقية اللغوية القومية الوطنية القبلية لا فارق. وهي السفاهة، لدى “التنويريين”.
أي أن العوام إما كفّار ملعونون، أو خونة مأجورون، أو سفهاء بائسون. والتنويريون شركاء في هذا الوسم.
المنطق يكاد أن يتطابق بين المذاهب. “أنا” على حق. الـ”أنا” هنا هو من غاص في العقل والنقل، وخرج بمقاربة يرتضيها تحمل الأجوبة الوافية على الأسئلة الصعبة التي ابتدأ بها. الكون، المجتمع، النفس. السياسة، الحضارة، التاريخ.
الخواص، إذ يتفاتكون في حروبهم الكلامية، ويستجدون فيما يتعدى الكلام سطوة الحكام بحق خصومهم، دينيون وقوميون ويساريون وتنويريون، يجمعون على شتم العوام، ووسمهم بما طاب لهم وقبُح من النعوت. لسان حالهم: ما بال هؤلاء العامة لا يرتقون ولا يسلمون أمرهم لأولياء أمرهم؟ لا الحكام، إلا حين نرتضي أن نغضّ الطرف عن ظلمهم، بل لنا، نحن أصحاب العقول الراقية والمرجعيات الحاسمة.
سؤال الخاصة المتواتر هو: أين الخطأ في هذه المجتمعات؟
ما يتفق عليه الخاصة، بكافة توجهاتهم الدينية والعضوية والتنويرية، هو أن العامة معلولون في عدم إدراكهم لضرورة توافقهم الموضوعي مع النخبة، مهما كان رأيها. بل أكثر، هؤلاء العامة عاجزون عن الوضوح والتجانس. لا يمسكون من الفكر إلا أطرافه، ثم يفرّطون به ويشوهونه.
أي أن الإسلاميين يستشفون الإسلام لدى العوام، ولكنه إسلام ناقص ملوّث بالبدع والمعاصي، فواجبهم إرشاد الأمة، وواجب الأمة تبيّن الحق واتباعه. والقوميون، العروبيون التأحيديون منهم والهوياتيون على تعدد مواضعهم، من الأمازيغية إلى الكردية مروراً بالطائفيات الوطنية، قد تمرّسوا الفرز بين الأصيل (أي من ينسجم مع رؤيتهم المعيارية) والطارئ (أي من يفتقد كامل المقومات المطلوبة)، مشكلتهم وحسب أن الوعي الجماعي لدى العامة بحاجة إلى تنظيف وتطهير وتشذيب وتهذيب كي يظهر ويصعد من ركام التاريخ، وتأسفهم هو أن العديد في أوساط العامة، نتيجة غسيل الأمخاخ بالتأكيد، لا يرى ما يرون.
ولا يتمايز التنويريون، بالإجمال طبعاً مع التقدير والاعتذار لمن يفعل، عن هذا النمط.
بعد مقادير من التأليه للحضارة الغربية، بما في ذلك الانزلاق إلى افتراض استثنائية لا تتحقق إلا بالفكر الدائري، أي ملاحظة المختلف ثم اشتراطه، تغدو الدعوة التنويرية السعي إلى إيجاد السبيل إلى التغريب، أي محاكاة الغرب في قيمه وأفكاره والتمثّل به. هي دعوة صادقة. كيف لا تكون والغرب متفوّق على كل الأصعدة. مادياً دون خلاف، حقوقياً بالتأكيد، فكرياً وعلمياً بقدر يستوجب الخجل، بل دينياً وروحياً وأخلاقياً في احتضانه لكافة المعتقدات وتأطيره لتعايشها. هذه حقائق موضوعية، وإن سعى غالب الإسلاميين إلى إيجاد العثرات في المجتمعات الغربية وتسليط الأضواء عليها لمعارضتها بالحالة الإسلامية الفضلى، وإن بقيت نظرية.
الجيل الأول من التنويريين كان متفائلاً في تقديره لتراث بلاده وللعملية الإصلاحية على حد سواء. نأخذ الصالح ونترك الطالح من حضارة الغرب، ونرتقي.
التنويريون فعلوا، وخصومهم فعلوا الفعل ذاته. غير أن تعريف كل من الفريقين للصالح والطالح اختلف. حداثة التنويريين كانت في السعي إلى فصل الدين عن الدولة، أما حداثة الإسلاميين فكانت بإظهار الإسلام نظاماً متكاملاً شاملاً، وإن عند حد الزعم وحسب.
عملياً، هذان مشروعان من جنس واحد. كلاهما يدعو إلى دولة عصرية قائمة على تجانس النظم، وعلى هوية جامعة قائمة على الضم والفرز. الإسلاميون يطمحون لفرز غير المسلمين وإلزامهم بتشريعات ذمية، وكذا يأمل التنويريون إذ يتمنون إكراه الإسلاميين ومن يجاريهم من العوام على التقيد بتشريعات تتعارض مع قناعاتهم، إن استطاعوا إلى الأمر سبيلاً. هي هنا “الشريعة” وهنالك “المساواة” القسرية، وهذه وتلك جارفة للمخلفات المتضاربة المعيقة للتقدم، باتجاه “التقوى” أو باتجاه “الحضارة”، وفق ما يشتهيه كل فريق.
أما الجيل التالي، الحالي، من التنويريين، بعد أن انكشفت له سذاجة التفاؤل، فقد انقسم، كما فعل صنوه الإسلامي، إلى تدريجيين وأصوليين. التدريجيون هم الذين يقرّون باستتباب الإسلام في مجتمعاتهم، فيعملون، بدلاً من أسلوب الصدمة والاستعداء، إلى مغارس في التراث لزرع بذور الإصلاح. عديد هؤلاء من “المدافعين” عن “الحقائق” الكامنة في جوهر الدين، والتي قد تفي الغرض للتوفيق بين روح الإسلام وروح العصر. “قد” أمام المضارع حرف إمكان حدوث. غير أن الإمكان هنا متلاشٍ. هذه “الحقائق” غالباً ما تقتصر على بعض النص القرآني المأخوذ خارج سياقه الناقض للغرض، والمطوّع بشق الأنفس لاستنطاقه ما لم ينطق. ربما أن بعضهم، جلّهم، أو كلّهم، صادق في قلبه. ولكنهم لا يَظهرون كذلك لخصومهم، بل تبدو جهودهم مفتعلة أو حتى منافقة وكاذبة، ترضي من يوافقونهم على ضرورة التخلص من عبء الدين، وإن بزعم إصلاحه.
أما التنويريون الأصوليون، فقد قلبوا معادلة الجيل الأول رأساً على عقب. هم أيضاً يرون السبيل إلى الإصلاح بأخذ الصالح وترك الطالح، على أن الأخذ والترك لديهم ليس من الحضارة الغربية، بل من الموروث الإسلامي، ومعيارهما هو التوافق مع الغرب.
هي منهجية صادقة متجانسة مع نفسها، لولا ثلاث علل تستنزف أنفاسها. العلة الأولى أن الرغبة بهذا “الإصلاح” الفوقي، المبهم بتفاصيله على أي حال، ليست وليدة المجتمعات المعنية، بل هي وحسب الرأي والتفضيل لدى بعض النخبة التنويرية، أي أن الإصلاح المزمع المزعوم في أحسن الأحوال فوقي أبوي، وعلى الغالب ازدرائي لمواقف العامة وقناعاتهم.
العلة الثانية هي أن السبيل الوحيد لتحقيق الإصلاح هو في الانضواء تحت جنح الحاكم المتغلب المستبد، وهو للأسف ما يفعله العديد من التنويريين، بما يجعل منهم علماء بلاط وفقهاء سلاطين، وإن دون العمامة والخطاب الديني المنمّق. المغالطة هنا هي أن “الإصلاح” وسيلة وليست غاية لأي حاكم. والتجربة التاريخية، تركيا نموذجاً، لا تفيد بأن المقاربة تحقق الغرض. “من أجل الشعب، رغماً عن الشعب”، حكمة تنويرية أصولية من مصطفى كمال أتاتورك. أي نجاح لها بعد مرور قرن؟
أما العلة الثالثة، وهي الكارثة التي يشترك بالمسؤولية عن إيقاعها صنفا التنويريين المعاصرين، أي التدريجيون والأصوليون، فهي في تقديم نموذج منهجي، هزيل في صلاحيته للتنوير، فائق الصلاح والتناسب لمبتغى عتاة الإسلاميين.
واقع الحال والذي من العبث إنكاره هو أن الدين الإسلامي متشدّد بأحكامه متطلّب بشعائره متصلّب بشرائعه. ما أمكنه تحقيق السماحة التي يطيب لأهله الركون إليها هو أن في الأصول الفقهية المستنبطة على مدى التاريخ الإسلامي ما يلطّف القسوة، من درء الحدود بالشبهات إلى الاحتياط والتماس الأعذار مهما وهنت، وتغليب اللين على الشدّة في الأحكام. أي أن اعتبار المواقف كلها يقتضي أنه إذا كانت الشدة فتوى الكثرة واللين فتوى القلة، فإن اللين غالب.
هذا التوجه، إذ كان سائداً في النظرية الفقهية، شكّل عائقاً أمام الأصوليين من الإسلاميين في مسعاهم لبناء الصرح الإسلامي المتجانس في صرامته. وإذ بالتنويريين في انتقائيتهم الإقصائية للشدة يأذنون للإسلاميين بانتقائية مقابلة إقصائية للين. وهي انتقائية أسهل وذات منتوج أكثر غزارة، إذ على التنويريين التدريجيين عصر التراث للاستحصال على قطرات متوافقة مع رؤيتهم، أما الإسلاميون فما عليهم إلا الاغتراف.
غير أنه، وإن كان التنويريون يسهلون مهام الإسلاميين، فإن هؤلاء وأولئك لم يحققوا أي نجاح دائم، رغم اعتبار كل من الفريقين أنه الأكثر تجانساً مع الجمهور. ومن هنا كان ولا يزال الحكم أن الخلل في الجمهور، هؤلاء العوام المضللين، هذه الشعوب التي لا تشترى إلا والعصا معها.
ولكن، ماذا لو..
ماذا لو أن الخطأ ليس في الجمهور، بل في اشتراط أن يلتزم العامة ما يراه الخاصة من صفاء عقائدي؟ ماذا لو أن “الخلطة” المهجّنة التي تظهر عند متابعة العوام، بين إسلام لا يتوافق مع النص بالكامل ويقحم فيه البدع من كل صوب، وشعور ذاتي بهويات متداخلة تفتقد النقاء الذي تدعو إليه القوميات وشقيقاتها، وحس إنساني ملموس إنما لا يرتقي إلى ما يُرضي التنويريين، ماذا لو أن كل هذا ليس “الشواذ” الذي لا بد من تصحيحه، بل “القاعدة” في تعامل العامة مع مواريثهم المختلفة ودفاعهم عن ذاتيتهم إزاء الأبويات والسلطويات والطغيان.
ليس الحال، بطبيعة الحال، مجرد تقسيم ثنائي، بين عامة وخاصة، بل كل من الصفين يشهد تجاذبات ومواجهات من جنس الحدة والخطورة للتي بينهما. نساء العامة لا يشفع لهن أنهن ورجال العامة من المستضعفين، بل عليهن تحمل أذى هؤلاء الرجال، حين يقع. والخادمات في منازل العامة، لا يشفع لهن أنهن وربات المنازل من الإناث في عالم ذكوري، بل عليهن الرضوخ للإساءة، ساعة تحدث.
على أن العامة، بالإجمال والتعميم المقيّد، يواجهون الانتقاص في اعتبار اختياراتهم. فهم إن مالوا إلى التديّن والتشدّد، أسمعهم التنويريون أنهم وحسب سقطوا في قبضة تجار الدين والتيارات السلفية النفطية، أما إذا أظهروا من التسامح ما يتوافق مع الأخوة الإنسانية، فإن الإسلاميين يتهمونهم بأنهم وقعوا فريسة التغريب.
ولكن، لا الإسلاميين، رغم قناعتهم بأن جوهر العامة هو الإسلام، قد نجحوا بتعبئتهم بما ينسجم مع مشروعهم، رغم سيطرتهم على الخطاب العام، ولا التنويريين نجحوا باقتلاع الجمهور من براثن الإسلاميين، رغم توفر إمكانيات تواصلية لديهم بما يضاهي الإسلاميين على أكثر من صعيد.
الإشكالية ليست وحسب أن البيئة الحاضنة للحداثة لم تتحقق في الشرق محاكاة للغرب، بل في أن من سعى إلى التعويض عن غياب هذه البيئة ببعض الدفع الفوقي لا يبدو أنه قد وفّق في مسعاه، بل جاء جهده نسخة مختلفة اللون ولكن متشابهة في الشكل والمضمون مع النسخ السابقة، تحتقر العامة وترى فيهم مفعولاً به لا فاعلاً. لا حاجة للجنوح الشعبوي إلى أقصى الطرف المواجه. “العامة” ليسوا دائماً على حق، ضمنياً كان أو صريحاً، والحاجة إلى الدفع قائمة.
غير أنه لا بد من مقادير مرتفعة من التواضع والمراجعة والمساءلة الذاتية من جانب من يريد أن يعتمد مثالاً مختلفاً عن ذاك الذي يعتنقه العقائديون. آفة الإسلاميين أن العامة في نظرهم عصاة، وآفة القوميين واليساريين على أصنافهم هي أن العامة لديهم مفتقدون للوعي.
ليت التنويريين من الخاصة يجتهدون في اكتساب الأنوار لأنفسهم أولاً، أي الحداثة في القلب والقالب، وصولاً للتمرّس بعدم تسفيه العامة، لا في دينهم ولا في قيمهم ولا في هوياتهم. كلها قابلة للنقد والاعتراض، شرط أن ينظر إليها وجهاً لوجه للتيقن من ماهيتها وثرائها وتنوعها ومنطقها، لا أن تقتصر الرؤية على “السواد” من أعلى.