الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: الهند ومُـعـضِـلة طالبان

Project Syndicate: الهند ومُـعـضِـلة طالبان

By: Shashi Tharoor

الشرق اليوم- في الأسابيع التي تلت عودة الإرهابيين من أنصار الحكم الديني المنتمين إلى حركة طالبان إلى السلطة في كابول، أُخـضِـع الشعب الأفغاني، وخاصه نساؤه وفتياته، لقدر لا يمكن تصوره من المعاناة، بينما تحول انتباه العالم نحو قضايا أخرى. لكن العديد من الدول الأخرى، وخاصة الهند، لديها من الأسباب ما يدعو إلى القلق والانزعاج.

إن انتصار حركة طالبان بعد عشرين عاما من جهود “بناء الأمة” في أفغانستان، لن تشجع غيرها من الحركات الجهادية بدرجة كبيرة فحسب، بل ستزلزل أيضا الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة بأسرها. وإن كنت تريد دليلا على التأثير المزعزع للاستقرار الذي خلفه سقوط كابول، فما عليك إلا أن تنظر إلى ردود الفعل من جانب جيران أفغانستان.

الواقع أن استجابة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ــ وبشكل خاص تصريحه بأن عودة طالبان إلى السلطة كانت أقرب إلى التخلص من “أصفاد العبودية” ــ تسلط الضوء على ما كان معلوما بالفعل: أفغانستان التي تديرها حركة طالبان ستكون صنيعة باكستان. عندما حكمت حركة طالبان البلاد من عام 1996 إلى عام 2001، كانت “إمارتها الإسلامية” تعمل وكأنها شركة تابعة مملوكة بالكامل لوكالة الاستخبارات الباكستانية. هذه المرة، يُـفـتَـرَض أن سيطرة باكستان لن تكون مُـطـلَـقة بذات القدر، بل أقل قليلا. لكن هذا لم يمنع رئيس الاستخبارات الباكستانية فايز حميد من السفر إلى كابول بعد سقوطها بفترة وجيزة ليتولى الإشراف، وكله شعور بالنصر، على تشكيل حكومة طالبان الجديدة.

بشكل أقل علانية، ولكن على قدر أعظم من الأهمية، كانت الصين حريصة على الخروج بأفضل نتيجة من هذا الوضع الدقيق. استثمر الصينيون 62 مليار دولار في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو أكبر مشروع في مبادرة الحزام والطريق الصينية العابرة للحدود الوطنية. والآن يساورهم القلق أن يتسبب متطرفو طالبان في تعريض هذا المشروع للخطر. من الجدير بالذكر هنا أن وزير الخارجية الصيني وانج يي استقبل رسميا وفدا من حركة طالبان في يوليو/تموز.

الآن، وقد أصبحت المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية وافرة تنتظر من يحصدها، أعلنت الصين أنها ستزاول الأعمال مع طالبان. إنها تسعى إلى الاستفادة من الموارد المعدنية الضخمة غير المستغلة في أفغانستان، وخاصة العناصر الأرضية النادرة، وإعادة فتح منجم أيناك للنحاس. بل وتتناثر أيضا أحادث حول تمديد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى أفغانستان.

يبدو أن المبادرات الدافئة متبادلة، حيث وصف الملا عبد الغني برادار، النائب الأول الجديد لرئيس الوزراء الأفغاني، الصين على أنها “الصديق الجدير بالثقة”، على الرغم من اضطهادها المنهجي للأقلية من سكانها المسلمين. تتلخص أولوية الصين في التعامل مع أفغانستان في ضمان امتناع حركة طالبان عن تقديم الدعم أو الملجأ للمنشقين الأويغور من شينجيانج، وأنها لن تفعل أي شيء لتعطيل عمل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. ومع احتياج حكومة طالبان الشديد إلى من يرعاها ــ كان نحو 80% من ميزانية الحكومة الأفغانية السابقة التي بلغت 5.5 مليار دولار ممولا بمساعدات خارجية ــ تبدو الصين مناسبة تماما لسد هذه الفجوة.

الواقع أن هذه الديناميكيات الإقليمية، مع التقارب بين باكستان والصين على نحو متزايد، يجب أن تكون مصدرا لقدر هائل من القلق لصناع السياسات في الهند. تُـعَـد باكستان خصما قديما عمل بنشاط على تمويل التشدد المسلح ضد الهند والتحريض عليه، حيث استضافت (بين آخرين) منظمي الهجمات الإرهابية القاتلة في مومباي عام 2008. في الوقت ذاته، تُـعَـد الصين منافسا جهازيا للهند وتفرض تهديدات اقتصادية وعسكرية واستراتيجية. ومن الواضح أن أي محور أفغاني باكستاني صيني ينطوي على تنسيق سياسي يشكل تهديدا كبيرا للهند.

إن استيلاء طالبان على أفغانستان لا يمنح باكستان “العمق الاستراتيجي” الذي سعت إلى اكتسابه لفترة طويلة مؤسستها العسكرية فحسب، بل ويشكل أيضا أرضية مفيدة لتجنيد المزيد من المحاربين والإرهابيين، إذا سعت وكالة الاستخبارات الباكستانية إلى نشرهم مرة أخرى. عندما كانت طالبان في السلطة آخر مرة، اجتمعت روسيا وإيران على قضية مشتركة تتمثل في تقديم الدعم النشط للتمرد في وادي بنجشير بقيادة التحالف الشمالي الذي تزعمه الراحل أحمد شاه مسعود. لكن هذه المرة، اتخذت روسيا الموالية للصين على نحو متزايد موقفا محايدا بشأن قضايا أفغانستان مع الهند.

يبدو أن إيران، في عهد رئيسها المتشدد المنتخب مؤخرا، إبراهيم رئيسي، أصبحت على استعداد لتقبل الإمارة الإسلامية الجديدة ما دامت طالبان تمتنع عن ممارسة الاضطهاد ضد الشيعة والذي اتسمت به فترة حكمها السابق. إذا تسنى تجنيب الشيعة الهزارة والطاجيك والأوزبك المتأثرين بالثقافة الفارسية في أفغانستان الويلات التي ألحقتها بهم حركة طالبان قبل ربع قرن من الزمن، فقد تلتزم إيران الحياد. في كل الأحوال، من دواعي سرور كل من إيران وروسيا أن الولايات المتحدة نالت العقاب المستحق في أفغانستان.

ربما تحاول الهند التواصل مع الحكومة الجديدة في كابول، على الرغم من نفيها مؤخرا أن وزير شؤونها الخارجية التقى ممثلي طالبان في الدوحة في يونيو/حزيران. من المؤكد أن دبلوماسيين هنود آخرين كانوا على اتصال بمسؤولي طالبان، الذين انضم اثنان منهم ــ باردار وشير محمد عباس ستانيكزاي، نائب وزير الخارجية ــ إلى الحكومة الأفغانية الجديدة.

أمضى باردار ثماني سنوات في معتقل باكستاني، وربما يُـفـتَـرَض أنه لا يكن أي حب أو ود لسجانيه. ولكن على الرغم من تحدث بعض مسؤولي طالبان بهدوء عن رغبتهم في إقامة علاقات طيبة مع الهند، فقد صرح آخرون بأن إمارتهم الإسلامية ستدافع عن مسلمي الهند، وخاصة في كشمير.

كما زعمت في وقت سابق، لا تملك باكستان ترف الرضا عن انتصار طالبان. فمن المؤكد أن ظهور حركة طالبان باكستان، التي تسعى إلى الإطاحة بالحكومة الباكستانية لكونها غير إسلامية بالقدر الكافي، وتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، الذي قصف مطار كابول في أغسطس/آب، من الأمور التي تثير القلق والانزعاج في إسلام أباد. علاوة على ذلك، يعمل إنهاء وجود القوات الأميركية في أفغانستان على التقليل من اعتماد أميركا اللوجستي على المؤسسة الأمنية الباكستانية، مما يحرم وكالة الاستخبارات الباكستانية من الدعم والموارد.

استثمرت الهند 3 مليارات دولار في أفغانستان ــ في بناء السدود، والطرق السريعة، وشبكات الكهرباء، والمستشفيات، والمدارس، بل وحتى مبنى البرلمان. وبعد أن أصبح كل هذا في يد طالبان الآن، ربما نعذر صناع السياسات في الهند لشعورهم بالقنوط واليأس. ومن الواضح أن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لم تُـسد نفسها صنيعا بخطابها المتواصل المناهض للمسلمين وسياساتها المحلية التي من المرجح أن تثير الاستياء والسخط في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

تعزز الشراكة الرباعية ــ التي تضم الهند، والولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا ــ وجود الهند البحري في المحيط الهندي. لكن المخاطر الأمنية الرئيسية التي تهدد الهند تقع على حدودها البرية مع الصين وباكستان، حيث من غير المرجح أن تكون الشراكة الرباعية ذات فائدة تُـذكَر.

الآن تواجه الهند نظام طالبان في شمالها الغربي، ودولة مسلحة نوويا وداعمة للإرهاب في غربها، وقوة عظمى معادية في شمالها الشرقي، كما تواجه تهديدات متواصلة لسلامة أراضيها. في هذه البيئة، سيفرض الحفاظ على الأمن الوطني والاستقرار الإقليمي تحديا غير مسبوق على الدبلوماسية الهندية في الأشهر والسنوات المقبلة.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …