الرئيسية / مقالات رأي / مشكلتنا الكبرى في أوروبا هي غياب مصدر موثوق للطاقة

مشكلتنا الكبرى في أوروبا هي غياب مصدر موثوق للطاقة

بقلم: هاميش ماكراي – إندبندنت عربية

الشرق اليوم – إذا كنا جميعاً سنتجول في سيارات كهربائية، وفق ما نفعل حالياً، فسنكون في حاجة إلى مصدر للإمدادات الكهربائية يمكن الوثوق به. ليس لدينا حالياً مصدر كهذا. وبصرف النظر عن مدى سرعتنا في بناء مصادر بديلة لتوليد الطاقة، فإننا سنظل في حاجة إلى الغاز كوقود احتياطي. ونحن لا نملك القدرة التخزينية الكافية للغاز. أما بالنسبة إلى الطاقة النووية، فينطوي بناء محطات جديدة لتوليدها على مشكلات متعددة. وعلى ذلك النحو، فإن الفوضى سائدة.
ولا تقتصر الفوضى على المملكة المتحدة. هناك بعض الحماقات التي تشكلت محلياً، ومن الأمثلة عليها إنشاء بنية رقابية تنظيمية شجعت أصحاب الخبرات المحدودة على البدء بتشغيل كل تلك المصادر الصغيرة لإمدادات الطاقة التي تتعرض للإفلاس حاضراً. يمكنك أن تتفهم الدافع وراء الرغبة بضخ مزيد من المنافسة في تلك الصناعة. ولدينا “أوفجيم”، [مكتب أسواق الغاز والكهرباء في بريطانيا] الجهة الرقابية المنظمة التي أنشئت عام 2000، ويأتي في مستهل بيان مهمتها، “نحن نعمل لحماية مستهلكي الطاقة، خصوصاً الأشخاص المعرضين للخطر، وذلك من خلال ضمان معاملتهم بإنصاف واستفادتهم من بيئة أنظف وأكثر اخضراراً”. إن ذلك أمر جيّد. لكن، في الواقع ينبغي أن تتمثل وظيفة “أوفجيم” الرئيسة بكل تأكيد في الحفاظ على تدفق الغاز وبقاء الضوء مشعّاً.
في المقابل، ثمة فوضى حالياً وهي أوروبية الطابع بشكل عام، بل إنها في الواقع فوضى عالمية. وإذا سافر المرء إلى دول الاقتصادات الناشئة، فإنه سيتوقع حصول انقطاع في التيار الكهربائي. إلا أنه لا ينتظر أن يواجه ذلك في دول العالم المتقدمة. وسنقدم فيما يلي لمحة سريعة عن المشكلات التي تشهدها دول أوروبا في مجال الطاقة.
بدأت المملكة المتحدة تواً في نقل الطاقة مع النرويج عبر أطول كابل كهربائي تحت مياه البحر في العالم. وتعتمد الفكرة فيه على جلب الطاقة الكهرومائية النظيفة من النرويج، وتصدير طاقة الرياح النظيفة إليها من المملكة المتحدة. بيد أن إحدى المشكلات التي ينطوي عليها ذلك النقل، تأتّت من حالة الجفاف التي شهدتها النرويج، ما أدى إلى وصول التخزين لديها إلى أدنى مستوياته في عشرة أعوام. ولا يعني ذلك أن الصادرات يجب أن تكون محدودة فحسب، بل تواجه دول شمال أوروبا فواتير مرتفعة للغاية لقاء الطاقة، تبلغ خمسة أضعاف مستوياتها قبل عام واحد. وفي ما يخص خطتنا لتصدير الطاقة التي تولّدها الرياح، فذلك جيد طالما استمر هبوبها.
فلننظر إلى ألمانيا. لقد قطعت أشواطاً واسعة في الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. ولكن، وفّر الفحم والـ”ليغنايت” [الفحم البني اللون] في النصف الأول من العام الحالي ما يزيد على ربع الطاقة التي احتاجتها ألمانيا. سيكون من الصعب خفض ذلك أكثر حين تغلق البلاد ما تبقى لديها من محطات نووية. (جاء أقل من 2 في المئة من الكهرباء التي استهلكتها المملكة المتحدة في العام الماضي من الفحم).
بالنسبة إلى فرنسا، البلاد التي راهنت بشكل كبير على الطاقة النووية، فقدّمت لها تلك الطاقة 70 في المئة مما استهلكته من الكهرباء في العام الماضي، وتلك تمثل النسبة الأعلى في العالم. وتُعتبر فرنسا أكبر جهة مصدّرة للطاقة، التي نستورد نحن بعضها. في المقابل، لم ترتفع السعة الإجمالية لديها منذ 1999، بل باتت في الواقع أصغر بقليل في الوقت الحالي مما كانت عليه حينذاك. وكذلك يبلغ متوسط عمر مفاعلاتها النووية الـ58 حوالى 35 عاماً. ولنتأمل الآن حالة إيطاليا. يوفّر الوقود الأحفوري هناك ما يزيد على 60 في المئة من الطاقة التي يولدها ذلك البلد. لكن، يُعتبر الغاز المستورد العنصر الأضخم بفارق كبير في ذلك الخليط من الوقود الأحفوري الذي تعتمد عليه إيطاليا. ونحن نعرف ما حصل لأسعار الغاز.
والحقيقة، فإن كل الجدال الذي تناول استكمال ألمانيا خط أنابيب الغاز الجديد الخاص بها الذي يمرّ تحت بحر البلطيق آتياً من روسيا، ويُسمّى “نورد ستريم 2″، يتركز على كون ذلك المشروع سيجعل أوروبا أكثر أو أقل عرضة للضغوط من جانب روسيا. وإنها قصة معقدة. وباعتبار أن أنابيب “نورد ستريم 2” تتجاوز الشبكة الموجودة حالياً [في نقل الغاز] التي تمرّ عبر أوكرانيا، فإن هناك بالتأكيد حجة قوية مفادها بأن بوسع روسيا حالياً أن تستخدم الطاقة بشكل أكثر فاعلية كسلاح ضد أوروبا، إذا أرادت أن تفعل ذلك.
بالتالي، يكمن لبّ المسألة في أن إمدادات الطاقة للمملكة المتحدة وأوروبا باتت أكثر هشاشة. وصارت كذلك لأسباب تقنية، ولاعتمادنا على الرياح وغيرها من المصادر غير المنتظمة، وأيضاً لأسباب سياسية يبرز بينها اعتمادنا على روسيا. يضاف إلى ذلك عدم كفاءة المملكة المتحدة في ما يتصل بالرقابة التنظيمية، والصعوبات التي تواجهها فرنسا بشأن بناء محطات طاقة نووية جديدة، ورفض ألمانيا الكامل للطاقة النووية، والآفاق لا تبدو مشجعة أو حسنة.
ولعل الجانب الأكثر إثارة للقلق يكمن في أن ذلك يحصل فيما يعيش الاقتصاد العالمي المراحل الأولى من انتقال بنيوي مزعزع قوامه الابتعاد عن الاعتماد على الوقود الأحفوري والاتجاه نحو الحياد الكربوني. أشعر بالقلق من أن الهدف الأكثر إثارة للإعجاب المتمثل في خفض نسب انبعاثات الكربون، سيتأثر سلبياً بسبب عدم كفاءة كيفية التنفيذ. وهكذا، سنجعل الناس يتحولون إلى استخدام السيارات الكهربائية، غير أننا لن نتمكن من توليد الكهرباء اللازمة لتشغيلها.
وقد يشهد الشتاء حصول انقطاعات في التيار الكهربائي، إلا إذا أسعفنا الحظ وجاء شتاء دافئاً تهبّ فيه الرياح على المملكة المتحدة وأوروبا، إذ يقلل الدفء الطلب على الطاقة، بينما تزيد الرياح امدادات الطاقة. لكن بالطبع، ربما يحدث العكس. وسيثير انقطاع التيار الكهربائي القلق، وسيطالب الناس باتخاذ إجراءات عملية حيال ذلك. لا ينبغي أن نضع أنفسنا في ذلك الموقف. ولكن ما لم نخلق مصدر طاقة أكثر متانة، سيكون الناس على حق تماماً في أن يشعروا بالغضب.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …