بقلم: رجاء المزروعي – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – قبل أكثر من عشر سنوات، عندما تم تقديم البيتكوين للمرة الأولى في الأسواق المالية من قبل ساتوشي ناكاموتو، لم يكن يعرف الكثير من الناس عن العملة المشفرة ولم يستثمروا فيها، لكن الآن في 2021 يشهد العالم بلهفة نمواً غير مسبوق للعملة المشفرة، مع ندم الكثير من الناس على عدم شرائها قبل عامين. المفهوم المقبل القائم على تقنية البلوكتشين والذي على وشك الانطلاق وإحداث ثورة في الطريقة التي نتملك بها الأشياء الحقيقية ونستثمر فيها هو تشفير الأصول (Asset Tokenization).
تشفير الأصول هي تقنية تحويل رقمي للأصول الحقيقية والملموسة، وتحويلها إلى عملات توكن، وتخزينها على بلوكتشين. لا يشترط أن تساوي قيمة الأصل عملة توكن واحدة، لكن يتم تقسيم الأصول إلى أجزاء أصغر والتي يمكن أن تشكل العديد من عملات التوكن. وبمجرد أن يقوم المالك بعملية تشفير الأصول وتحويلها رقمياً، يصبح من الممكن تخزينها وتداولها بالكامل أو على أجزاء لنقلها إلى مالكين آخرين على شبكات التداول الآمن، حيث إن عرض التوكن الآمن (STO) له علاقة عميقة بعملية التشفير وتقنية البلوك الأساسية.
وترتبط هذه التقنية ارتباطاً وثيقاً بتقنية البلوكتشين، حيث إنها التكنولوجيا الأساسية التي تمكن تطوير عملات التوكن وتخزينها. وكل ما يحتاجه مالك الأصل للتشفير والعرض هو تحديد منصة STO خاصة تسمح له بالتحويل الرقمي لأصوله وتحويلها إلى العديد من عملات التوكن كما هو مطلوب، وبعد ذلك يمكنه عرض مجموعات التوكن الآمن (STO) الخاصة بهم للاستثمار، حيث يمكن لأي شخص في العالم شراء عملات التوكن هذه، وبالتالي الاستثمار في أعمال مالك الأصول.
وفي الوقت الحاضر، يجد الكثير من المستثمرين ومالكي الأصول والشركات الناشئة إمكانات غير مستغلة في عملية التشفير، والعالم يشهد اهتماماً أكبر من المستثمرين بهذه التقنية، حيث اقترحت دراسة أجراها بلوتونيو أن حجم سوق تشفير الأصول من المتوقع أن يصل إلى 1.4 تريليون يورو في عام 2024 في أوروبا وحدها.
إن ظاهرة التحويل الرقمي هي ليست بالشيء الجديد، ولكن استخدام هذه التقنية لتشفير الأصول يفتح آفاقاً جديدة في عالم الاستثمارات. والاختلاف الرئيسي بين التحويل الرقمي التقليدي وتشفير الأصول هو تأثير تقنية البلوكتشين الأساسية في هذه العملية، حيث تقدم هذه التقنية الفوائد الرئيسية لعملية التشفير. دعنا نتعمق أكثر في بعض هذه الفوائد.
وتقدم البلوكتشين نظاماً لا مركزياً، وتمكن الأشخاص من تشفير أصولهم وبيعها في أي وقت. يمكن أن تكون هذه الأصول واسعة النطاق، كما تشمل القائمة أيضاً الأصول غير السائلة نوعاً ما مثل السيارات والعقارات ومصالح الشركات الخاصة والتحف والأعمال الفنية، وبالتالي تقوم البلوكتشين بتقليل العديد من العقبات أمام الاستثمار.
ويمكن لمالك الأصل تقسيم أحد الأصول إلى العديد من الأجزاء كما هو مطلوب، حيث إن القدرة على تقسيم الأصول أيضاً تمنحهم القدرة على امتلاكها جزئياً. يقوم هذا بجذب الكثير من المشترين والمستثمرين، وبالتالي توفير سيولة أكبر للأصول.
وتعتبر البلوكتشين شفافة بشكل افتراضي: جميع المعاملات على البلوكتشين مرئية لجميع أعضائها. يعد هذا أمراً بالغ الأهمية لأي مستخدم، حيث يمكنه مشاهدة السجل الكامل لجميع الأنشطة الخاصة بأصل معين والتحقق من صحتها ومعرفة كيف يتم إعادة توجيه ملكيتها.
والبيانات التي تحتوي عليها البلوكتشين غير قابلة للتغيير، لذا يمكن لأي شخص مهتم بإنتاج عملات التوكن أو شرائها أو بيعها أن يطمئن إلى أن البيانات وسجلات المعاملات صحيحة وتم التحقق منها ولا يمكن عكسها أو التلاعب فيها على البلوكتشين.
وتسمح البلوكتشين لمالك الأصول والمشتري المحتمل بالتواصل مباشرة مع بعضهم البعض، وبالتالي القضاء على تداخل خدمات أطراف ثالثة مما يقلل بدرجة كبيرة من التكاليف التي عادة ما ينفقها الشخص على الوسطاء. إلى جانب ذلك، قد يستغرق الأمر ساعات أو حتى أياماً لنقل الأصول وتنفيذ المعاملات المتعلقة بها، ولكن يمكننا الآن إكمال هذا الإجراء بالكامل في خلال ثوانٍ قليلة بفضل البلوكتشين.
باختصار.. تعتبر تقنية تشفير الأصول عملية تحول كبير وثورة في عالم إدارة الأصول مخترقة العديد من الأسواق وجعلها أكثر أماناً وتكافؤاً. لم تعد عملية تشفير الأصول مجرد مفهوم فقط، بل تقوم الآن المؤسسات التجارية والشركات الناشئة ورجال الأعمال بالبحث عن أصول جديدة ومبتكرة لتشفيرها.
وفي الوقت الحالي، يمكننا تشفير كل شيء تقريباً: الأعمال الفنية والذهب والسيارات وفرق كرة القدم والعقارات والرعاية الصحية والفضة وسندات الانبعاثات الكربونية ومنتجي الموسيقى وحتى أنفسنا!