بقلم: منذر عيد – العرب اللندنية
الشرق اليوم- في خضم التحليلات، والأحاديث عن مستقبل الاحتلال التركي في إدلب، وطبيعة الاتفاق الذي جرى مؤخراً في سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، وتداول أخبار قيام الجيش العربي السوري بتحشيد القوات على تخوم إدلب الجنوبية للبدء بعمل عسكري في المحافظة، تتبادر إلى الذهن جملة من الأسئلة: هل يمكن للاجتماعات والمحادثات «والكلمة الطيبة» أن تقنع محتلاً أياً يكن بالانسحاب من أرض احتلها، وهل حقق النظام التركي باحتلاله مناطق في سورية أهدافه حتى يخرج منها «بطيب خاطر»، أم إن الحل يكمن في مقولة الرئيس المصري جمال عبد الناصر: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»؟
جملة المعطيات، ومخرجات الأحداث في أرض الميدان تؤكد أن النظام التركي ماض في سياسة المراوغة واللعب على الوقت، سياسة يجيدها بشكل ممتاز أردوغان، وهو من عمل بها طوال فترة احتلاله مناطق في سورية، واتخذها نهجاً للتهرب من جميع التزاماته التي اتفق عليها مع الجانب الروسي بما يخص الوضع في إدلب، حيث تشي الأخبار بأن رئيس النظام التركي يسعى بعد مغادرته سوتشي إلى نشر مرتزقته مما تسمى ميليشيات «الجيش الوطني» في إدلب، وتحديداً بمحاذاة طريق M4 حيث مناطق سيطرة «جبهة النصرة» الإرهابية، وصولاً إلى قيامه بعملية دمج بين تلك الميليشيات و«النصرة» والإعلان عن تشكيلات «معتدلة» ما يشكل ذراً للرماد في «العيون الروسية»، ومحاولة للالتفاف على المطلب الروسي «القديم المتجدد» بضرورة فصل «المسلحين المعتدلين» عن التنظيمات الإرهابية!
إذا ما بحثنا في نية النظام التركي الخروج من الأراضي السورية التي يحتلها «طواعية»، نجد أنه الآن أكثر تمسكاً باحتلاله، ليقينه أن حل الأزمة في سورية بات قاب قوسين أو أدنى، ومن الضرورة إذا ما أراد أن يكون شريكاً في تقاسم «الغنيمة» أو حجز كرسي على طاولة «الحل النهائي» أن يكون موجوداً في الميدان، هذا الأمر عكسه تصريح المتحدث باسم رئاسة النظام التركي إبراهيم قالن لمجلة «دير شبيغل» الألمانية يوم الجمعة الماضي، والذي اعتبر أن لتركيا الحق في الدخول إلى سورية مثلما قامت بذلك روسيا أو الولايات المتحدة، وتمت ترجمته بشكل عملياتي عسكرياً، حين أدخل الاحتلال التركي مؤخراً تعزيزات عسكرية تضمّ دبابات وعربات مدرّعة ومدافع ثقيلة، وأنشأ نقطة احتلال جديدة في منطقة جبل الزاوية، على مقربة من خطوط التماس مع مواقع انتشار الجيش العربي السوري.
هل حقق أردوغان أهدافه التي دخل لأجلها سورية محتلاً، حتى يخرج منها بكلمة شرف، لا يملكه؟ في الحقيقة فإن أردوغان لم يدخل سورية محتلاً نصرة «للمظلومين» كما يدعي، ولا دعماً لـ«ثورة وثوار» القتل بل اتخذ من الأولى لافتة ومن الثانية مطية، من أجل تحقيق «هدفه الحلم» وهو تنفيذ «ميثاق ملّي» أو ما يسمى «الميثاق الوطني» الذي صدر عن البرلمان العثماني، المعروف باسم «مجلس المبعوثان» عام 1920، والذي بدأ أردوغان بالحديث عنه بشكل واضح ومكثف عام 2016، الأمر الذي اتخذه وزير داخليّة النظام التركي سليمان صويلو، مبرراً في كانون الثاني 2019، لمنح الجنسية التركية لأكثر من 76 ألف لاجئ سوريّ في تركيا، بقوله إن 62 بالمئة من اللاجئين السوريين في تركيا قد جاؤوا مما أطلق عليه «أراضي حدود الميثاق الملّي»، معتبراً أن ذلك سبباً يخوّلهم الأحقيّة في أن يصبحوا أتراكاً.
من الواضح أن أردوغان يحاول شد وربط حبل كذبه المترهل وتهربه من تنفيذ التزاماته مع روسيا، بوتر الاقتصاد بين البلدين، والذي حاول تضخيمه بشكل مبالغ أثناء حديثه للصحفيين على متن الطائرة التي أقلته من سوتشي إلى أنقرة، وحديثه عن مباحثات تمت مع الرئيس بوتين عن موضوع شراء طائرات روسية، وتصنيعها معاً، وعن الدفعة الثانية من صواريخ إس 400، وتصنيع السفن الحربية والغواصات، وبناء ثلاثة مفاعلات نووية، والعديد من الموضوعات والمشاريع الاقتصادية، التي رأى العديد من المحللين والسياسيين فيها شيئاً من الرشوة إلى روسيا لغض النظر عما يجري في إدلب، وهو ما لم يأت أكله لدى الجانب الروسي حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الأول، أن التنظيمات الإرهابية لا تزل موجودة في إدلب وتهاجم الجيش العربي السوري والقوات الروسية «وهدفنا هو القضاء نهائياً على هذه التنظيمات الإرهابية ونحن نلتزم بهذا النهج»، مشددا على تأكيد روسيا بشكل لا لبس فيه على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات بين الرئيس بوتين ورئيس النظام التركي لعزل الإرهابيين، وخاصة الإرهابيين التابعين لـ«النصرة».
في مجمل الأحوال قد يستطيع أردوغان المماطلة والهروب إلى الإمام في إدلب إلى حين، إلا أن ما غاب ويغيب عن حساباته تأكيد القيادة السورية، وإصرار الجيش العربي السوري على تحرير جميع الأراضي من الإرهاب والاحتلال، وأن الوجود التركي مهما حاول أردوغان تبريره ووصفه يبق احتلالاً، ويجب خروجه أو إخراجه من سورية، لتكون مقولة «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، الحاضر الأقوى، ودليل سورية في استرجاع حقوقها.