بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – في الثلاثين من الشهر الماضي أصدر مجلس الأمن قراراً بالإجماع بتمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حتى 30 يناير 2022. بدا القرار غريباً لغير المتابعين، فجهود التسوية في ليبيا تواجه أزمة حقيقية، فلماذا هذا التقتير في زمن المد للبعثة؟ والحقيقة أن صدور القرار على هذا النحو كان خطوةً متقدمةً بالنسبة لما جرى في 15 سبتمبر حين مدد المجلس للبعثة إلى نهاية الشهر أملاً في حل للخلافات بين رؤى القوى النافذة في المجلس بشأن أمور تتعلق بمهمة البعثة وتعكس تباين المصالح بين هذه القوى. وقد حاولت بريطانيا وأيرلندا، مقدمتَا مشروعَ القرار، التوفيقَ بين وجهات النظر المختلفة، غير أن النتيجة جاءت على هذا النحو الذي يعكس استمرار الخلافات بحيث تم التمديد لمدة أربعة أشهر، بينما نص مشروع القرار الأصلي على التمديد لعام كامل. وقد نُسِب لوكالة «فرانس برس» أن روسيا هددت باستخدام حق الاعتراض على مشروع القرار احتجاجاً على اللغة المستخدمة في المشروع بشأن المطالبة بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وتحديد دور المبعوث الأممي. ولعدم وجود أي تفاصيل موثوقة بشأن هذه المسألة، ولرفض البعثة الروسية التعليق على ما نُسِب لموقفها، فإن كل ما يمكن استنتاجه من هذا الخلاف الذي أدى إلى غياب بعض الفقرات المهمة عن القرار وإلى الاكتفاء بالتمديد للبعثة لأربعة أشهر بدلاً من عام، هو أن القوى الكبرى في المجلس ليست لها رؤية موحدة بشأن إدارة جهود التسوية وفي مسائل جوهرية كانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة ومقر عمل المبعوث الأممي الذي زكى الاستعراض الاستراتيجي المقدَّم من الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن في أغسطس الماضي أن يكون في طرابلس وليس في جنيف لتسهيل الاتصال بينه وبين القوى الفاعلة في ليبيا. ولا يخفى أن تنفيذ هكذا اقتراح كان من شأنه أن يأتي لمصلحة الغرب الليبي، لكن الغموض يبقى قائماً بالنسبة لطبيعة الخلاف حول انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، فالأصل في الموضوع أن الجميع يطلب هذا الانسحاب، فماذا يكون فحوى الخلاف بهذا الشأن إذن؟
الخلاصة إذن، وبغض النظر عن أي تفاصيل، هي أن ثمة خلافاً على قمة المنظومة الدولية ممثلةً في مجلس الأمن بشأن عناصر مهمة في عملية التسوية، وهو خلاف أدى إلى تمديد قاصر لمهمة البعثة في وقت ازدياد الحاجة إليها كلما اقترب موعد الانتخابات المقررة في ديسمبر القادم. وإذا ما أضفنا لهذا ما يعلمه الجميع من عدم حل للخلافات بين طرفي الصراع المحليين الرئيسيين، كما بدا من التطورات الأخيرة، بل ومن تفجر للعنف بين المليشيات المسلحة التي تنتمي لطرف واحد، لأدركنا الورطة التي تمر بها عملية التسوية الراهنة، وهي ورطة كان الأمل يساور البعض في أن تحلها الإرادة الدولية من خلال مجلس الأمن فإذا به منقسم على نفسه.
والحقيقة المؤلمة هي أن المجلس حتى في حالة توافر الإجماع بين أعضائه لا يستطيع تفعيل إرادته على أرض الواقع الليبي، وقراراته بهذا الشأن كثيرة للغاية، ونكتفي منها بقرارات المجلس بشأن منع تهريب الأسلحة والمعدات إلى ليبيا، فإذا بأصحاب المصالح في استمرار الصراع لا يكتفون بتهريب الأسلحة والمعدات، وإنما يضيفون إليها المشورة العسكرية والمرتزقة دون أن يستطيع المجلس اتخاذ أي قرار لمواجهة هذا الخرق لقراراته. وفي ظل هذه الظروف يبدو غريباً الحديث عن مؤتمر في نوفمبر القادم ترعاه فرنسا وألمانيا وإيطاليا حول ليبيا، فقد استضافت هذه العواصم ثلاثة مؤتمرات في السابق تبنت مقررات بقيت حبراً على ورق، وما لم يتم الاتفاق حول آلية لتفعيل المقررات الدولية فسوف تبقى جهود التسوية في مهب الريح.