بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع
الشرق اليوم – لم تمر سوى شهور معدودة، منذ أن اعتلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، “عرش” البيت الأبيض، في يناير الماضي، لتتجلى “لغة” جديدة، في الخطاب الأمريكي، ربما تتجاوز الأحداث المتواترة، لتحمل في طياتها أبعادا جديدة، أصبحت تطغى على الواقع العالمي الجديد، بينما تعكس في الوقت نفسه، حالة من الارتباك، لدى القيادة الأمريكية للعالم، في الوقت الذي بدت فيه قوى أخرى، على رأسها الصين، وروسيا، أكثر استعدادا للتعاطي مع الأحداث، وهو ما يمثل واقعا جديدا، تبدو فيه حالة من التعددية، باتت تهيمن على النظام الدولي، بعيدا عن زمن الأحادية، في السنوات الماضية.
ولعل حالة “المفاجأة” التي تبدو على المسؤولين الأمريكيين، مع كل حدث مدو، يشهده العالم، قد تحولت من التعامل الفعلي مع الأزمات، إلى حالة خطابية، تعكس اعترافا ضمنيا بالارتباك، وهو ما بدا، على سبيل المثال في المشهد الأفغاني، بعد سيطرة حركة طالبان، حيث أعلن عددا من المسؤولين الأمريكيين، ومنهم بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، عن الصدمة، إثر تمكن الحركة من السيطرة على مقاليد الأمور في غضون أسابيع معدودة، حيث كانت التوقعات الأمريكية تدور في معظمها حول إمكانية صمود النظام الحاكم لشهور في مواجهة الحركة، التي أسقطتها واشنطن قبل عقدين من الزمان، في إطار الحرب على الإرهاب، والتي أطلقتها أمريكا ردا على أحداث 11 سبتمبر.
الصدمة الأمريكية، بحسب خطاب المسؤولين الأمريكيين، مع انتصار الحزب الاشتراكي في ألمانيا، خلال الانتخابات الأخيرة، على حساب الحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والذي تقوده المستشارة المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل، حيث قال علق بايدت بقوله “سأكون مرتبكا”، فور علمه بتقدم الاشتراكيين الألمان، على حلفائه التاريخيين في برلين، لتكون أحد “إرهاصات النهاية”، لحقبة، سطرتها أمريكا لتعلن قيادتها للعالم، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مع فرض قواعد الديمقراطية والرأسمالية، لتكون بمثابة دستورا عالميا، ينبغي على العالم اتباعه، لينال مباركة “أبناء العم سام”.
تصريحات بايدن ومسؤولية حول فشل توقعاتهم، ربما لا يكون صادقا تماما، خاصة إذا كانت واشنطن لعبت دورا فيما آلت إليه الأمور هنا أو هناك، وبالتالي فإن فشل الإدارة في توقع ما حدث يمثل “عذرا أقبح من ذنب”، إلا أنه ينم عن محاولات “تبرير”، لم يعتاد عليها الخطاب الأمريكي، والذي طالما كان يخرج من منطلق “القوة”، مما يمنح ثقة للحلفاء، ويضفي حالة من الرعب في قلوب الخصوم، وهو ما يعنى أن الخطاب الأمريكي بات يحمل “تنازلا” ضمنيا، أو بالأحرى اعترافا بالعجز عن مسايرة الواقع الجديد، في ظل أزمات أصبحت أكثر تعقيدا إذا ما قورنت بالصراعات التقليدية التي هيمنت على العالم لما يقرب من 80 عاما، شاركت أمريكا في جزء منها في القيادة عبر “المعسكر الغربى”، خلال الحرب الباردة، ثم انفردت بها بعد نهايتها مع انهيار الغريم السوفيتي.
الصدمات الأمريكية ربما تكون جديدة نوعا ما من الناحية الخطاب الرسمي، إلا أنها كانت تحمل مقدمات عملية، أبرزها التعامل الضعيف مع أزمة كورونا، حيث كانت بمثابة البداية، لانهيار العديد من الثوابت والمفاهيم، التي قامت عليها الهيمنة الأمريكية، وعلى رأسها الديمقراطية، وفعاليتها في التعامل مع الأزمات، ناهيك عن الشكوك الكبيرة في قدرة الولايات المتحدة، على القيام بدورها في مواجهة الأزمات العالمية، وبالتالي حفظ السلم والأمن الدوليين، وهو الأمر الذي لا يقتصر في حقيقته على الصراعات الدولية، وإنما أيضا الكوارث الطبيعية والأوبئة باعتبارها بين أكثر الأمور تهديدا للسلام العالمي، بالإضافة إلى العجز عن مجابهة الوباء حتى في الداخل الأمريكي، مع زيادة الإصابات بصورة كبيرة وغير متوقعة، مما أدى إلى انهيار، أو على الأقل، تراجع النظرة إلى القيادة الأمريكية، والتوجه نحو الاعتماد على قوى أخرى تمكنت ليس فقط من احتواء الأزمة في الداخل، وإنما هرعت لتقديم المساعدات إلى دول أخرى.
وهنا أصبح تغيير “نبرة” الخطاب الأمريكي، والذي بات “متفاجئا” دائما، بمثابة نتيجة طبيعية، للواقع الدولي الجديد، وهو ما يرجع في جزء منه إلى تغيير الواقع الدولي الجديد، حيث خرجت الكثير من الأمور عن السيطرة، وهي الحالة التي بدأت بوادرها من الداخل، مع صعود ترامب إلى رأس السلطة في 2016، على عكس التوقعات، التي كانت تصب في صالح منافسته آنذاك هيلاري كلينتون، وهو ما يعكس “عمومية” الارتباك الأمريكي، والذي بات لا يقتصر على الخارج وإنما انطلق في حقيقته من الداخل، وهو ما تجلى في الانقسام الكبير داخل الأروقة السياسية، سواء في الأحزاب الرئيسية، أو حتى الشارع، والذي شهد مظاهرات غير مسبوقة أو “متوقعة” مع الإعلان عن خسارة ترامب، إلى حد اقتحام الكونجرس، في سابقة هي الأخرى “غير متوقعة”.
يبدو أن نطاق “التوقعات” الأمريكي، أو بالأحرى “الخيال”، بات معضلة حقيقية، حتى أن الواقع صار يتجاوزها في الكثير من الأحيان، وهو ما بهت على السياسة الأمريكية المرتبكة تارة، وتراجع الدور تارة أخرى، بينما تجلى في أحدث حلقاته في الخطاب الرسمي لواشنطن، وهو ما يمثل انعكاسا مهما للواقع العالمي في السنوات المقبلة.