بقلم: الدكتور قحطان السيوفي – الوطن السورية
الشرق اليوم- الحلف الجديد بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا الموجه ضد الصين يشكل تطوراً سياسياً خطيراً، لأنه بحجة الدفاع عن الدول الحليفة لأميركا في تلك المنطقة، أقام الرئيس الأميركي جو بايدن حلفاً هجومياً لمحاصرة الصين، بايدن لم يَحد عن مسار سلفه دونالد ترامب، لجهة التصعيد المتهوّر مع الخصوم، تحالف «أوكوس» بين الدول الثلاث، يعني صياغة تحالفات الولايات المتحدة على قاعدة «الاستدارة نحو آسيا»، في عهد الإدارة الحالية التي وجدت مَن هو مستعد للسير خلفها من دون شروط في حربها ضدّ الصين.
بايدن أقدم على خطوة استفزازية خطيرة ضدّ الصين، رفعت منسوب التوتّر بشكل غير مسبوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ودفعت حليفه الأسترالي إلى إلغاء صفقة غواصات ضخمة مع فرنسا.
إن الولايات المتحدة عادت لتأهيل بريطانيا واعتمادها دولة محورية في الصراع الدولي، في محاولة لتعظيم دور بريطانيا العجوز في مناطق أخرى ذات علاقة بالتنافس والصراع مع الصين، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط.
ويعبّر الأميركيون عن قلقهم من توسع الصين في مناطق النفوذ الأميركية مثل باكستان، وغرب آسيا، والقرن الأفريقي، وكذلك عندما تم الكشف عن عرض صيني لإيران، باتفاقية تعاون لـ25 عاماً، تشمل قطاعات إستراتيجية بما فيها النفط والتصنيع العسكري.
واشنطن تبدي قلقاً من تعاظم قوة الصين وتمددها ونجاحها الاقتصادي والصناعي والعلمي والعسكري، وتدّعي أن التنين الصيني سيصبح خطراً على مصالحها، وعليها مباشرة في المستقبل.
الصين ندّدت، بالصفقة الثلاثية التي وصفتها بـ«غير المسؤولة»، وقال المتحدث باسم خارجيتها: إن «التعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في مجال الغواصات النووية يزعزع بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين، ويكثّف سباق التسلح ويقوّض الجهود الدولية نحو عدم انتشار الأسلحة النووية»، متهماً الدول الثلاث بالتصرف وفق «ذهنية الحرب الباردة»، وباستخدام الأسلحة النووية لأغراض جيوسياسية.
فرنسا قالت إن صفقة الغواصات كشفت «كذب وازدواجية» أميركا وأستراليا وبريطانيا، تحالف أو شراكة «أوكوس» الثلاثية تعيد ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ، انطلاقاً من فرضية أن الصين لم تعد منافساً يمكن مجاراته سلمياً، بل تقترب من أن تكون عدواً خطيراً, وإلى جوارها فرضية أخرى مفادها أن مواجهة أميركا لعدو بحجم الصين تتطلب مشاركة في الأعباء من قبل القوى الإقليمية الحليفة، ويشير البعض إلى أنّ «صلة الرحم» بين واشنطن والدول الأنغلوساكسونية تحملها على تمييزها.
موضوع الغواصات النووية يعني باختصار أن أستراليا تخلت عن السياسة الحذرة تجاه الصين، التي شكلت لها مصدراً مهماً طوال العقد المنصرم في مجالات جذب الاستثمارات الصينية والتبادل التجاري، وبما يقارب 20 في المئة من إجمالي حجم التجارة الأسترالية مع الخارج، و33 في المئة من صادراتها إلى الصين.
الصين تعتمد في علاقاتها الخارجية على قدر كبير من التحفظ والاعتراف بتقاليد دول العالم المختلفة وفوق ذلك فإن لديها ما يقابل 3.2 تريليونات دولار من الاحتياطيات المالية، منها 1.4 تريليون دولار أميركي نقداً.
في المقابل فإن الحالة الأميركية عليها مديونية مقابل الدولار المستخدم كعملة دولية قدرها 28 تريليوناً، الرئيس الأميركي والرئيس الصيني أكدا في كلمتيهما مؤخراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه لا رغبة لبلديهما في حرب باردة جديدة، ومع ذلك ما نشاهده على الأرض لا يتسق مع تلك التصريحات الناعمة.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ناشد أميركا والصين «إصلاح علاقتهما المختلة تماماً»، وحذر من أن إستراتيجيات أميركا والصين الجيوسياسية والعسكرية ستتسبب في مخاطر كبيرة وسوف تقسم العالم، وأضاف: «نحن في حاجة إلى تجنب حرب باردة بأي ثمن، قواعد اللعبة يبدو أنها في طريقها للتغيير ولا نستبعد انضمام دول جديدة للتشكل الجديد (أوكوس) فواشنطن تبدو كأنها بصدد تشكيل حلف أطلسي آسيوي، إن جاز التعبير، لمواجهة الصين، اللعبة الدولية انتقلت إلى منطقة المحيطين الهادي والهندي في ظل قوة صاعدة صينية، وخلل في الإستراتيجية الأميركية، وارتباك واضح في حلف الشمال الأطلسي.
لعلها المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي أصبحت فيها الصين دولة تتواجه بشكل مباشر مع دول كبرى، تتوجس توسعها وسعيها لكي تصبح الدولة العظمى الأقوى، بدءاً بأحلاف ويمكن أن تليها حروب عسكرية.
اليوم وتحت إدارة بايدن فإن السلوكيات الأميركية خلال الأزمة الأفغانية عكست شيخوخة قيادية؛ في تقديري، أميركا اليوم لا يزعجها ويقلقها إلا الصين أولاً ثم روسيا، وبالتالي رؤيتها الجيواستراتيجية تضع هاتين الدولتين الكبيرتين في موقع الخصم، المؤكد حتى الآن هو أنّ المواجهة الأميركية الصينية المحتدمة في شرق آسيا، ستلعب دوراً حاسماً في تسريع الاستقطاب الدولي وإعادة تشكيل البيئة الإستراتيجية في هذه المنطقة وعلى صعيد عالمي، والمؤكد أيضاً أن الصين الصاعدة مستعدة دائماً للتصدي لتحالفات الرئيس الأميركي.