بقلم: محمد الساعد – عكاظ السعودية
الشرق اليوم- التصريحات التي أطلقها أول من أمس مقربون من الرئاسة الفرنسية مدعية أن موقف الرياض من حكومة ميقاتي اللبنانية «متشنج»! تؤكد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا زال يعيش في الخمسينات الميلادية عندما كانت فرنسا تحكم نصف أفريقيا، وتتحكم في قراراتها السياسية وتنهب مواردها الاقتصادية، فلا السعودية دولة أفريقية تسيطر عليها باريس، ولا لبنان الحالي دولة عربية بمقاييس المصلحة العربية.
الزيارة الشهيرة للرئيس ماكرون إلى لبنان إثر تفجير مرفأ بيروت وقام خلالها بجولات استعراضية وفنية وإطلاق تصريحات لم يقو على تحقيقها، فشلت بسبب عجزه عن جلب إصلاحات اقتصادية وسياسية عميقة في لبنان، ولأن باريس عاصمة البخل في أوروبا فقد تخيل أنه بالإمكان تمويل حملته الاستعراضية في بيروت من جيوب غيره.
ظن ماكرون أنه قادر على إقناع السعودية بتمويل المصالح الفرنسية في لبنان، هل يمكن تخيل ذلك؟! يريد ماكرون أن تمول المملكة العربية السعودية مصالحه وحلفاءه وخياراته، ليذهب الشهر القادم في زيارة تاريخية إلى بيروت ملتقيا نصر الله وعون، ومكللا بالغار من فوق المرفأ الذي أحرقه حزب الله، وملقيا خطابا بالفرنسية الدارجة في لبنان: أنه مع مصالح حزب الله ومتطرفي مسيحيي لبنان.
يريد ماكرون أن يقفز على الخطوط السعودية في المنطقة، وفي الوقت نفسه يقدم حاكم الإليزيه نفسه كمحام ومدافع مُجد عن حزب الله الإرهابي! يا لهذا العالم المبتلى بأمثال ماكرون، الذي يريدنا أن ننخرط في مشاريعه، وإذا رفضنا غضب واتهمنا بالتشنج.
نسي ماكرون أن فرنسا هي من احتضنت عددا من قادة الإرهاب وأطلقتهم عفاريت يتحكمون في ألف ألف شيطان يحملون الإرهاب والقتل والدمار في هذا العالم، ولذلك عليه هو وحكومته دفع فواتيرهم من جيوبهم.
السياسة الفرنسية في أغلبها مملة، وغير واضحة المعالم، حتى الحلفاء التقليديون في الغرب الأنجلوسكسوني ملوا من الفرنسيين، وأعلنوا إنشاء تحالف استبعدوا باريس منه بسبب سياسة باريس المتلونة والمتعثرة.
سؤال يا فخامة الرئيس.. لماذا غضبت من الأستراليين والإنجليز والأمريكان وسحبت سفراءك وألغيت الاجتماعات معهم وسلطت آلتك الإعلامية عليهم؟ ألم تنطلق -حسب قولك- من مصالح فرنسا العليا؟ لقد أقام وزراؤك المؤتمرات الصحفية وخرجوا في تصريحات خشنة ضد شركائكم الغربيين، فقط لأنهم ألغوا صفقة يتيمة ضدك، فما بالك بأصدقائك في حزب الله ممن يختطفون لبنان ويمولون ويهرّبون المخدرات إلى المملكة والصواريخ إلى اليمن، ويدربون الحوثيين على إطلاق الصواريخ الباليستية منذ خمس سنوات لقتل السعوديين في شوارعهم ومدنهم، أحلال عليك أن تتبع مصالح بلادك وتغضب لها وترفضها على السعوديين؟
ماكرون في الملف اللبناني تحديدا لم يأخذ المصالح السعودية في حسبانه، ولم يقدم للرياض ما يقنعها بالعودة إلى الساحة اللبنانية لمساعدته على الحل -وهي الأقدر على ذلك-، أيها الرئيس مانويل ماكرون أتريد شركاء أم بنكا يموّل مشاريعك الاستعمارية وأجنداتك العابرة لمماحكة الأمريكان والتنمر على البريطانيين، لعلك لم تفهم بعد أن الرياض لا يمكن أن تدخل في سياسة المماحكات السياسية ولا تغريها المواقف اللزجة، لقد كنت مخطئا في تصوراتك..
لبنان ليس مختطفا من حزب الله فقط، بل ومن التيار المسيحي المتطرف الذي يمثله العونيون، هذا التيار يدغدغ ذكريات الانتداب الفرنسي على لبنان والشام، ويحاول استعادة ذلك الاستعمار وتوظيفه لصالح مشروع تحالف (شيعي مسيحي) معزول في لبنان، قافزا فوق اتفاق الطائف وملغيا المسلمين السّنة وهم المكون الأساسي في لبنان، وفوق ذلك كله تسعى فرنسا أن تكون السعودية المشرعة لهذا التحالف، أوهام غريبة تقيم في باريس.. أليس كذلك؟!
دعونا نعود إلى المصالح السعودية الفرنسية لنرى كيف أن ماكرون حاول القفز عليها من أجل عيون قادة الإرهاب في العالم، وعندما اصطدم بالحقيقة أطلق حملته المتشنجة، ربما بسذاجة سياسية أو بجهل بطبيعة الرياض وصلابتها ومواقفها وعقيدتها السياسية التي تقول دائما: «السعودية أولا».