بقلم: يوسف بدر – النهار العربي
الشرق اليوم- ليس هناك صديق أو عدو أبدي في العلاقات الدولية التي تقوم على مبدأ المكسب والخسارة؛ وهو ما يفسر التحول في العلاقة بين السعودية وإيران، اللتين انقطعت العلاقة الدبلوماسية بينهما منذ عام 2016.
وبعد أربع جولات من المباحثات غير المعلنة بينهما – كُشف عنها للمرة الأولى في نيسان (أبريل) 2021، باستضافة بغداد – يبدو أنها قد أتت أكُلها؛ إذ قال الملك سلمان بن عبد العزيز، إن “إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة”. وبعدها صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بأن المحادثات بين البلدين حققت “تقدماً جاداً” بشأن أمن الخليج.
ويبقى السؤال: لماذا هذه المحادثات الآن؟
والإجابة في عاملين:
– الخروج الأميركي من المنطقة وما تبعه من فراغ أمني، وهو ما بدأ بالانسحاب من أفغانستان في نهاية آب (أغسطس) 2021. ومن المنتظر أن يمتد إلى العراق في ظل الضغوط الإيرانية على بغداد لإتمام ذلك. فضلاً عن تقلب الولايات المتحدة في الحماية الأمنية التي تقدمها للخليج، وشاهد ذلك؛ سحبها أخيراً بعضاً من منظوماتها الدفاعية من داخل السعودية؛ وهو ما يدفع الرياض إلى المسارعة الى إنهاء الحرب في اليمن، قبل أن تستغل طهران هذه الأجواء وتحرك الحوثيين ضدها.
– التحولات والتحالفات الإقليمية الجديدة؛ فقد أرهقت الصراعات المنطقة، وجاءت جائحة كورونا، وفرضت على دولها أوضاعاً اقتصادية صعبة، ما دفعها الى البحث عن تحالفات سياسية واقتصادية تساعدها على تخطي أزماتها؛ مثلما ظهرت المصالحة الخليجية، ومشروع الشام الجديد بين مصر والأردن والعراق، وإيران التي قبلت منظمة “شنغهاي” الأوراسية عضويتها.
الحرب في اليمن
يبدو أن الحرب في اليمن أوشكت أن تضع أوزارها، ورغم أن الإيرانيين يشيعون أن السعودية هي من تسعى وراء إنهاء هذه الحرب؛ مثلما قال نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني علي فدوي، إن “من بدأ حرب اليمن يتوسل إلينا للخروج من الأزمة”، بينما قال وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، إن المحادثات المباشرة الجارية بين بلاده والسعودية “بناءة”، وإن طهران قدمت “اقتراحات” لإحلال السلام في اليمن.
لكن واقع الأمر أن إيران تضررت أكثر من هذه الحرب؛ فقد خسرت سمعتها الإقليمية والدولية، وازدادت عزلتها، ولم تحقق الحرب نتائجها المرجوّة؛ بل تم تزويد السعودية بالمزيد من الأسلحة وسدّت نقاط ضعفها؛ بينما إيران ما زالت تعيش في الحصار والعزلة، وتفتقر إلى امتلاك الأسلحة المتقدمة.
وتكشف تصريحات وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي؛ أن “السلطنة ماضية في مساعيها بهدف إنهاء الحرب في اليمن”؛ وأن هناك ضوءاً أخضر من جانب الولايات المتحدة والسعودية وإيران لأطراف النزاع داخل اليمن من أجل إنهاء هذه الحرب، التي تشغل إيران والسعودية عن ملفات أهم في المنطقة
بحر من الأزمات
أدركت إيران أنها لم تجن شيئاً من خلافاتها؛ بل باتت أشبه بجزيرة منعزلة وسط بحر من الأزمات الأمنية. ويعدّ الانسحاب الأميركي من المنطقة فرصة ثمينة لإيران لتبديد مخاوفها الداخلية والخارجية؛ فالداخل الإيراني يحتاج إلى التغيير، والنظام الحاكم هناك “أمني” للغاية؛ بسبب الخوف المستمر من إطاحته؛ بسبب التهديدات القادمة من العالم السني المجاور والقواعد العسكرية الأميركية المحيطة بها.
ولذلك فالحوار مع السعودية فرصة لتحييد هذه التهديدات الخارجية، وفرصة أخرى لبقاء النظام من دون خشية من أي تغيير يقع في الداخل.
أيضاً، العداء مع منطقة الخليج لم تكسب منه إيران إلا دخول إسرائيل إلى المنطقة، وربما هذا ما دفع طهران أكثر الى المسارعة في هذا الحوار؛ حيث إسرائيل بالقوة الإقليمية التي يمكن أن تقترب من الحدود الإيرانية اقتراباً سريعاً وطويل الأمد؛ إذ فتحت نافذة التطبيع فرصة للوجود العسكري الإسرائيلي داخل الأراضي الخليجية، وهو ما دفع إيران للتحذير من أي وجود إسرائيلي في المنطقة.
وبعد الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، أدركت إيران أن محيطها لم يعد مهدداً من القواعد الأميركية فحسب؛ بل إن إسرائيل قد تمدّدت وتحاصرها شمالاً أيضاً؛ حيث هناك تهديدات مباشرة لمصالحها في أذربيجان وأرمينيا، تقف وراءها كل من إسرائيل وتركيا. وهو ما دفعها إلى إقامة المناورات العسكرية على حدودها الشمالية، فضلاً عن التهديدات الأمنية من جانب الحدود مع العراق وأفغانستان، التي تعززها الخلافات مع السعودية التي لها زعامة على العالم السني؛ وبالتالي فالحوار مع السعودية، التي وعدت بجر الحرب إلى حدود إيران بلسان ولي عهدها، هو مفتاح لتحييد كل هذه التهديدات المحيطة بإيران؛ إذا أتى هذا الحوار ثماره.
تسونامي اقتصادي
منذ إعلان حكومة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، وهي تحاول تقديم صورة مخالفة للتوقعات عن وصول شخصية متشددة الى الحكم في إيران؛ إذ بادرت خارجيتها الى رفع شعار “الأولوية لدول الجوار”. وعملياً سارعت إلى تحسين العلاقات مع دول الشمال مثل تركمانستان وطاجكستان؛ لتوفير مناخ قبولها في “شنغهاي”.
وتعتبر العقوبات الأميركية والأزمات الاقتصادية التي تمر بها إيران مبررة هذا السلوك؛ إذ تريد إيران أولاً تخفيف التوترات في المنطقة؛ من أجل أن تدير مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة، بما يساعدها على: إما الحفاظ على المكتسبات النووية التي حققتها خلال فترة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في صورة كامنة. وإما ألا تخرج هذه المفاوضات عن الإطار النووي؛ حيث هناك إصرار إقليمي على تناول الملفين “الصاروخي” و”التهديدات الإقليمية” ضمن هذه المحادثات.
والملف الأهم أيضاً الذي تراهن عليه حكومة رئيسي، هو إنقاذ اقتصاد إيران من خلال تعزيز صادراتها إلى دول الجوار، وزيادة صادراتها النفطية رغم العقوبات الأميركية.
وتدرك طهران أن هناك حاجة متبادلة مع السعودية من أجل التهدئة في المنطقة لمعالجة الأزمات الاقتصادية والتحولات في مسارات التجارة الدولية، والاستفادة من لاعبين جدد مثل الصين، إذ لا تنزعج واشنطن من التهديدات الأمنية التي تطال الرياض التي أصبحت أكبر مورّد للنفط الى الصين عدو أميركا، بحجم 10.85 ملايين برميل نفط يومياً، أي ما يعادل 7.3% من واردات الصين.
المحصلة
– إن إيران تسعى الى الحوار مع محيطها من أجل إنقاذ سفينتها؛ بعدما أدركت مدى الخسارة التي حصلتها من تهديداتها الإقليمية.
– إن إيران تستثمر في الانسحاب الأميركي من المنطقة، وتدرك الرغبة المشتركة بين دولها في الحوار وسد الفراغ الأمني.
– إن معالجة إيران للمخاوف من تهديداتها الإقليمية؛ لن تعالج المخاوف من برنامجها النووي والصاروخي؛ إذ يُنظر الى إيران كقوة تسعى الى الهيمنة على الشرق الأوسط.