بقلم: صدقة يحيى فاضل – صحيفة عكاظ
الشرق اليوم- للقوات المسلحة في أي بلد ثلاثة استعمالات رئيسة، هي: استخدامها بالفعل للهجوم على خصم معين، أو للدفاع ضد عدو يشن حربا على الدولة المعنية، أو لردع الأعداء والخصوم والمنافسين عن الاعتداء على الدولة، وإيقاف هجومهم. ويمكن تعريف “الردع” (Deterrence)، بدقة أكبر، في ما يلي: “تقديم أدلة للعدو، لا يمكن إخطاؤها، عن توفر المقدرة الثأرية التي تكفل معاقبته بشدة، على أي محاولة من جانبه لإثارة الحرب، لتحقيق هدف، أو كسب معين، من وراء الحرب، على حساب الدولة الرادعة”.
ويمكن أن نعرفه أيضا بأنه: تأكد وجود قوة عسكرية ضاربة (لدى الدولة الرادعة) تضمن لها الانتقام بقسوة وشدة، ضد أي محاولة من جانب أحد خصومها؛ لمباغتتها بهجوم مسلح، يحاول عبره تحقيق أهداف معينة، ضد الدولة الرادعة، ولصالح الدولة المرتدعة (الخصم).
وقد لخص أحد علماء العلاقات الدولية “الردع” بقوله: إنه براعة عدم استخدام القوة العسكرية (The Skill of Non- Use of Military Force). أي عدم الاستخدام الفعلي (الكارثي، وباهظ التكلفة) للقوات المسلحة، طالما كان عدم استخدامها يكفي لمنع الخصوم عن مهاجمة الدولة الرادعة.
إن الردع يهدف إلى عدم تمكين أي قوة معادية من استعمال القوة المسلحة ضد الدولة الرادعة، دون تكبد خسائر أفدح من الخسائر التي قد تنزلها الدولة المرتدعة بالدولة الرادعة.
ومن هذه التعريفات، يمكننا القول بأن “الردع” يتضمن عدة عناصر أساسية، أهمها:
1- تأكد وجود القوة العسكرية القادرة على الثأر والانتقام من صاحب “الضربة الأولى”: أي القدرة العسكرية الواضحة على توجيه “الضربة الثانية” الانتقامية، إذ يجب على الدولة الرادعة أن تعلن عن قوتها المسلحة الرادعة، وتستعرضها، دون أن يتضرر الأمن القومي لها. فالردع هو عبارة عن تأثير نفسي… لا يقع إلا إن أيقن الخصم بوجود ذلك الرادع، وبقدرته على شن ضربة ثانية، مضادة لأي ضربة أولى تشن ضد الدولة الرادعة.
2- جدية الرغبة لاستخدام الضربة الثانية، في حالة تلقى ضربة أولى من العدو: لا بد أن تتعزز مقدرة الردع، وإمكانية توجيه الضربة الانتقامية (الثانية) بالحزم والتصميم القاطع على اتخاذ هذا الإجراء الثأري.
3- قدرة الضربة الانتقامية على إنزال خسائر مساوية أو أفدح، بالضربة الأولى: ولكي تكون للردع المصداقية اللازمة، فإن على الدولة الرادعة أن توضح، بشكل لا لبس فيه، أنها قادرة على امتصاص الضربة الأولى، ومن ثم توجيه الضربة الثانية حتما، وإنزال أضرار أكبر بالدولة المرتدعة، مما ألحقته- بضربتها الأولى- بالدولة الرادعة.
4- فورية الرد على الضربة الأولى، بالضربة الثانية (الانتقامية): وليكتمل الردع، يجب أن يكون رد فعل الدولة الرادعة فوريا، وغير مؤجل. فالتأجيل قد يعني التردد، وعدم الحسم، وإمكانية الإذعان لإرادة العدو.
ولا شك أن للردع أهمية بالغة في العلاقات الدولية المعاصرة. فلولاه لنشبت حروب لا حصر لها، ولما جنحت معظم الدول إلى السلم، والتأكيد على ضرورة التعاون الدولي، وضرورة حل خلافاتها مع الدول الأخرى، سلما، وعبر الدبلوماسية. وذلك نتيجة خشيتها من التدمير، إن هي دمرت طرفا دوليا آخر- كليا، أو جزئيا. وتفاديا لإيقاع الذات والآخرين في أتون التهلكة (الحرب). وأفضل مثال على ما نقول هنا، هو: وجود “توازن الرعب” (Balance of Terror) بين الدول العظمى الحالية.
فنظرا للتنافر الأيديولوجي والمصلحي بين هذه الدول، نجد أن أكثر من نصف العلاقات في ما بينها يسوده الصراع. وكل من هذه الدول يتمنى زوال الآخر، أو إضعافه، سواء على يد الآخر نفسه، أو على يد غيره. ونظرا لامتلاك كل من هذه الدول إمكانية توجيه الضربة الثانية، بل والثالثة والرابعة، ضد من يهجم عليها (بالضربة الأولى) نجد أن “السلام” يسود، ويستبعد الحرب، والاشتباك المسلح بين هذه الدول، بفعل هذا الردع المؤكد. وقد تتحارب هذه الدول في ما بينها، ولكن بـ”الوكالة”، أي عبر دول صغيرة حليفة، أو تابعة.
ولكي يكون الردع نشطا، وفعالا، وذا مصداقية، يجب أن يكون “مستقرا”. والاستقرار هنا يعني: بقاء الردع على حاله لمدة معقولة، غالبا ما تقدر بالسنوات. وهناك ثلاثة عوامل يمكن أن تتسبب في اهتزاز الردع الخاص بدولة معينة، تجاه خصومها. وهذه العوامل هي:
1- امتلاك الخصم لرادع أقوى. كأن يمتلك أسلحة جديدة أكثر فعالية، وأقل عرضة للاختراق والتدمير. وهذا يؤدي إلى ضعف الرادع المعني، نسبة لقوة خصومه.
2- حدوث تطور تقني يقلل من فعالية الردع القائم. كأن يستحدث ما يمكن أن يعيق الضربة الثانية، إن تم شنها.
3- تدخل طرف دولي ثالث إلى جانب أحد الأطراف، بما يتسبب في تقوية ذلك الطرف، نسبة لخصومه.
إن “سر” الردع يكمن في قدرة الطرف الدولي على امتصاص الضربة الأولى، وقدرته على شن الضربة الثانية (الانتقامية). وعندما تنتهي هذه القدرة، ينهار الردع، ويصبح غير فعال في أرض الواقع المعني، علما بأن الشرعية الدولية تبيح الحرب الدفاعية، أي الحرب دفاعا عن النفس، وفي حالة مواجهة هجوم من طرف دولي آخر.