بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- بعد أيام من إعلان التحالف الأمني المعروف بـ”أوكوس” بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض قمة مجموعة “كواد” (التحالف الأمني الرباعي) التي تضم إلى أميركا، اليابان والهند وأستراليا. وغاية هذين الحلفين، هو مواجهة الصين في المحيطين الهندي والهادئ.
منذ الأيام الأولى لوصوله إلى البيت الأبيض، جعل بايدن أولويته في السياسة الخارجية، هي التصدي للصين، ورهن بقاء الهيمنة الأميركية في القرن الحادي والعشرين، بالنجاح في احتواء الصعود الصيني.
والتوجه نحو آسيا، بدأ في الأساس مع رئاسة باراك أوباما، وأتى دونالد ترامب ليكمل هذه السياسة، وها هو بايدن يسخّر كل المقدرات التي تملكها الولايات المتحدة لخوض ما يسميه بـ”المنافسة الشرسة” مع العملاق الاقتصادي الصيني.
والوثيقة الاستراتيجية التي أعلنها البيت الأبيض في الأشهر الأولى من العام الجاري، تعتبر أن الصين تشكل خطراً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وتالياً يجب أن يكون التصدي لهذه المسألة في مقدم اهتمامات الإدارة الأميركية. ولا يوفر بايدن جهداً إلا ويبذله في هذا الاتجاه. من سياسة “إحياء التحالفات” التي يتبناها الرئيس الأميركي، إلى حشد خمس حاملات طائرات أميركية (تقريباً نصف عدد الحاملات الأميركية) في منطقة آسيا – الهادئ، إلى تعزيز العلاقات مع تايوان وفيتنام والفلبين وسنغافورة وسائر الدول المحيطة بالصين، إلى زيادة العقوبات المفروضة على بكين، لا سيما بسبب فرض الصين قانون القومية على جزيرة هونغ كونغ، إلى إقليم شينجيانغ الذي تتهم واشنطن الصين باضطهاد الأقلية المسلمة فيه، إلى عقوبات تتعلق بالتعامل مع إيران وسوريا. ومن الممكن الإضافة إلى ذلك، سحب بطاريات صواريخ للدفاع الجوي من الشرق الأوسط وأوروبا ونقلها إلى المحيط الهادئ. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن بايدن يتجاهل قضايا دولية أخرى، حتى لا يتشتت انتباهه عن الصين.
وعندما التقى بايدن في جولته الأوروبية في حزيران (يونيو) الماضي، قادة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في لندن، انصبّ جلّ اهتمامه على الوسائل التي يمكن للمجموعة أن تتبناها للحد من زخم مبادرة “الحزام والطريق” الصينية التي تشمل استثمارات في أكثر من 60 بلداً. كما طغى على محادثاته مع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل الملف الصيني، على رغم أن بكين هي الشريك التجاري الأول للاتحاد.
وجازف بايدن بهز العلاقات مع فرنسا، عندما أقنع رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون باستبدال غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي بصفقة الغواصات الفرنسية، الأمر الذي أثار غضب القادة الفرنسيين، الذين بدأوا التفكير جدياً بجدوى البقاء ضمن حلف شمال الأطلسي.
لقد بلغ التركيز الأميركي على الصين مستويات غير مسبوقة، في سياق سياسات الضغط المتعددة، من أمنية وسياسية واقتصادية، بغية الوصول إلى الغاية التي حددها البيت الأبيض، ألا وهي احتواء الصين وتحجيم نفوذها السياسي والاقتصادي في العالم، ناهيك عن الحؤول دون تحولها قوة عسكرية عالمية، بما يهدد الأحادية القطبية التي تتمتع بها الولايات المتحدة منذ انتصارها في الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي قبل 30 عاماً.
والذي يقلق أميركا جدياً هو أن تتعزز العلاقة الصينية – الروسية، وأن ترتقي إلى مستوى التحالف في وجه الأحادية الأميركية. ومن هنا ينظر الأميركيون بعين الخطورة إلى المناورات العسكرية المشتركة التي يجريها الجيشان الصيني والروسي دورياً. كذلك لا تنظر واشنطن بعين الارتياح إلى تزايد التعاون الاقتصادي بين بكين وموسكو، بما يعزز احتمالات قيام شراكة استراتيجية بين الجانبين.
وأخذاً في الاعتبار مثل هذا الاحتمال، تحاول الولايات المتحدة أن تبقي على بعض خيوط التواصل مع موسكو، كي لا تقع روسيا بالكامل في أحضان الصين، وتالياً تزداد صعوبة جهود الاحتواء المبذولة في كل الاتجاهات.