الشرق اليوم- إن وتيرة تفكك العلاقات بين مالي وفرنسا تسارعت في الفترة الأخيرة على خلفية قضية انسحاب القوات الفرنسية من قوة برخان في شمال مالي، ورغبة باماكو في وصول قوات شبه عسكرية روسية إلى المنطقة.
وكان رئيس وزراء مالي، شوغيل كوكالا مايغا، قد اتهم فرنسا السبت الماضي أمام الأمم المتحدة بالتخلي عن بلاده “في نصف الطريق” في أثناء المعركة وذلك بقرارها سحب قوة برخان منها، وانتقد “إغلاق بعض نقاط سيطرة برخان”، معبرا عن أسفه “لغياب التشاور” وإعلان باريس “الأحادي” من دون تنسيق مع الأمم المتحدة والحكومة المالية.
وقد شعرت باريس بالإهانة من هذه التصريحات التي أدلى بها مايغا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وردت عليها وزارة الخارجية الفرنسية “بأن إعادة تنظيم قواتها العسكرية في منطقة الساحل ليست خروجا من مالي ولا قرارا من جانب واحد”.
ولكن وزيرة القوات المسلحة الفرنسية، فلورنس بارلي، ردت على مايغا بغضب قائلة: “إن في هذه التصريحات كثيرا من النفاق وكثيرا من سوء النية والفحش، لأنها تأتي بعد يوم واحد من مقتل الجندي الفرنسي الـ52، مضحيا بحياته لمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل”، وذكرت بأن إعادة تنظيم القوات الفرنسية تمت بالتشاور مع شركائها في منطقة الساحل منذ قمة “بو” يناير عام 2020.
خلفية الجدل
وترى لاكروا أن خطاب رئيس الوزراء المالي موجه -في المقام الأول- إلى الرأي العام المالي الذي تسكنه مشاعر معادية لفرنسا التي احتلت هذا البلد بعنف نهاية القرن التاسع عشر، ولم ينس سكانه ماضيها المؤلم والمقاومة الشرسة واليائسة التي واجه بها أسلافهم الاستعمار، كما لم ينس دور باريس ولا عجرفة وعنجهية المستعمر.
وفي هذا السياق، يشير أحد الدبلوماسيين بمرارة إلى أن “إهانة الفرنسيين تؤتي دائما ثمارا سياسية في مالي، وهي طريقة ملائمة لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للإخفاقات التي تواجهها الحكومات”. وبالتالي، فإن تصريحات مايغا “المدمرة” أعطته نجاحا باهرا في مالي، رغم إعلانه احتمال تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، مخالفا بذلك التزامات المجلس العسكري أمام المجتمع الدولي.
المسكوت عنه
وهناك 3 أمور لا يتم الحديث عنها، أولها أن باماكو تريد فتح مفاوضات مع الجماعات الجهادية، وهو ما لا تريده باريس. وثانيها، أن الحكومة المالية ترحب بقدوم المرتزقة الروس من شركة “فاغنر” الخاصة، وإن كانت باريس وحلفاؤها الأوروبيون في عملية برخان لا يرحبون بها.
أما الثالثة، فهي أن غضب الإليزيه لا يخلو من دوافع خفية، حيث يخشى ما سمته كارولين روسي -الباحثة في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية- “تأثير سايغون في مالي”، في إشارة إلى الصور الكارثية لانسحاب الجيش الأمريكي من فيتنام عام 1975، التي عززتها صور سقوط كابل عند المغادرة المتسرعة للغربيين من أفغانستان أغسطس الماضي.
وخلص الباحث جان بيير مولني من معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية إلى أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان يفكر في مغادرة منطقة الساحل منذ توليه السلطة عام 2017، ولكنه يريد أن يفعل ذلك من دون أن يبدو أنه هزيمة”. وبالتالي، فإن ما يحاوله الإليزيه هو إعادة ترتيب قصة الانسحاب وتحويلها إلى إعادة انتشار، في ظل تصريحات مايغا “الفاضحة” والتقدم المحتمل لشركة فاغنر، حتى لا تفقد فرنسا ماء وجهها.
المصدر: الجزيرة