بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تعيين الرئيس التونسي قيس سعيّد سيدة لتتولى رئاسة الحكومة للمرة الأولى في تاريخ البلاد، سابقة تاريخية جاءت في ظروف استثنائية ومرحلة فاصلة أعقبت عشر سنوات من «ديمقراطية الفوضى» والصراعات والتجاذبات والسياسات العقيمة. ومهما تكن الانتقادات التي ستوجه لهذه الخطوة، فستظل واحدة من قرارات سعيّد العديدة التي يتسم أغلبها بعنصر المباغتة، وأهمها إجراءاته في تجميد البرلمان وإقالة الحكومة السابقة في 25 يوليو المنصرم.
السيدة نجلاء بودن ستكون أول امرأة تتولى رئاسة حكومة في تونس، ومن الناحية السياسية سيحقق هذا التعيين ارتياحاً في أوساط شعبية وسياسية وازنة في المجتمع، كما سيخلط أوراق أطراف كانت تراهن على تأخير الإعلان عن الحكومة الجديدة للضغط على الرئاسة، واستجلاب التدخلات الخارجية، لا سيما الغربية منها. ولكن مثلما علق أحد النشطاء، فإن قرار سعيّد الجديد كان «ضربة نجلاء» ستصيب مجموعة من الأهداف بسهم واحد، أولها إدانة الأحزاب والشخصيات التي قادت الحكومات السابقة وهمشت المرأة في تشكيلاتها الوزارية المتعاقبة، وثانيها تتويج للنساء اللواتي كن ناشطات فاعلات في الحياة العامة وخزان أصوات لا ينضب في المواعيد الانتخابية، وثالثها تأكيد أهلية السيدات لتولي المناصب السيادية العليا، أما رابعها فرسالة موجهة إلى الخارج، والغرب تحديداً، مفادها أن تمكين المرأة قائم في تونس، وأن هذا الحدث السياسي سيكتب تاريخاً جديداً للمرأة التونسية خاصة، والعربية عموماً.
كل هذه الأهداف أو بعضها قصدها قيس سعيّد بإجرائه الجديد، ولكن المهمة المستقبلية لا يمكن الاستهانة بها، فبعد إضاعة كثير من الوقت والجهد، ما زالت التحديات الجوهرية قائمة، وهي المتعلقة بتصحيح المسار السياسي ومصير البرلمان المجمد. فوفقاً لقرارات 22 سبتمبر، أصبح الدستور شبه معلق، وهو ما يتطلب التسريع بتعديل الدستور «المغضوب عليه»، أو العمل على صياغة دستور جديد وعرضه على الاستفتاء في أقرب الآجال، وبعدها تسريع العمل على قانون انتخابي جديد يُحدث قطيعة مع أخطاء المراحل الماضية. وهذه الاستحقاقات تتطلب خارطة طريق واضحة ومحددة المواعيد، من أجل استعادة الاستقرار السياسي، وإسكات الأصوات المتباكية على البرلمان المجمد والديمقراطية المعلقة.
وتأسيساً على عنصر المفاجأة، يبدو أن سعيّد بصدد التحضير للخطة المستقبلية بعد استكمال التحقيقات الأولية المتعلقة بأحزاب وشخصيات عدة في قضايا فساد أضرت بمصالح الدولة.
تعيين سيدة من الوسط الأكاديمي على رأس الحكومة، أحدث هزة في المشهد السياسي التونسي المرتبك أصلاً منذ أكثر من شهرين، وسيشهد مزيداً من التفكك والذوبان بعدما ثبت فشله وسوء قراءته للواقع، ودليل ذلك ما حدث من انشقاقات واسعة ضربت حركة «النهضة» وعمّقت عزلة قيادتها التي يبدو أنها مازالت تدور في فلك ما قبل تاريخ 25 يوليو، فراشد الغنوشي الذي تفرق عنه الأصحاب والرفاق، مازال يتوهم أنه سيعود رئيساً للبرلمان المجمد، وأن حظوظ حزبه مازالت وافرة في الحياة السياسية. القراءة الواقعية تؤكد أن كل ذلك بات من الماضي. أما اليوم فهناك تونس جديدة تتشكل وتبنى من جديد وتحاول تدارك ما فات بوجوه جديدة وأفكار مختلفة، ورؤية أكثر وفاء للواقع وإيماناً بالمستقبل.