بقلم: كاليب فرانز
الشرق اليوم- يعتبر معظم الناس الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كارثياً، فخلال أيام معدودة، استرجعت حركة “طالبان” سيطرتها شبه الكاملة على البلد، ووجد المواطنون الأمريكيون صعوبة في الهرب في الوقت المناسب، لكن لا تتعلق أهم مسألة اليوم بفاعلية تنفيذ الانسحاب بل بتحديد الجهات المسؤولة عن الفوضى الأخيرة، ولهذا السبب، بدأ الكونغرس يجري تحقيقاً حول أداء إدارة بايدن لتحديد الأخطاء المرتكبة.
قد تصبح عمليات الانسحاب شائبة طبعاً وأثبتت إدارة بايدن هذه الحقيقة على أكمل وجه، لكنّ المعسكر الذي يؤيد إطالة مدة التدخّل في أفغانستان يغفل عن واقع أساسي: لم يُحقق الاحتلال الأمريكي الذي امتد على عقدَين أي نتيجة، حتى أن قادتنا العسكريين أثبتوا مستوىً حاداً من الإهمال ويُفترض أن يثير هذا الوضع قلق جميع الأمريكيين.
لم يلاحظ عدد كبير من المشرّعين في الكونغرس هذا الواقع، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أثناء الإدلاء بشهادته أمام لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية إن الجمهوريين في الكونغرس استغلوا هذه الفرصة لمهاجمته، وبرأي عدد كبير من هؤلاء الجمهوريين، لم تكن طريقة الانسحاب سيئة فحسب، بل إنها تعكس إخفاقاً سياسياً شاملاً، مما يعني أنه قرار غير صحيح منذ البداية.
احتدم الجدل حول الانسحاب من أفغانستان على مر الحرب كلها، وتوقّع المشرّعون والمحللون الذين يؤيدون استعمال القوة نتائج قاتمة في حال طبّقت الولايات المتحدة سياسة خارجية أكثر انضباطاً وأقل تدخّلاً، ويبدو أن الفوضى التي رافقت الانسحاب الأخير جاءت لتؤكد التحذيرات التي يطلقونها منذ سنوات.
يجب أن تُحاسَب إدارة بايدن طبعاً على طريقة الانسحاب من أفغانستان، لكن كان حدس بايدن الأولي صحيحاً، ففي شهر أغسطس أعلن الرئيس الأمريكي: “بعد مرور عشرين سنة، تعلّمتُ بأصعب طريقة أن سحب القوات الأمريكية لن يكون مناسباً في أي وقت من الأوقات”، وإنه تقييم دقيق، وما كان الوقت ليصبح مناسباً لإعادة الجنود إلى ديارهم من دون إحداث تحوّل صاخب في بنية السلطة، وبعد عشرين سنة على تلاحق المواقف المعاكسة من الإدارات الأمريكية المحسوبة على الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، لم تصبح “طالبان” على شفير الهزيمة، وما كان استمرار الاحتلال لعشرين سنة أخرى ليغيّر هذا الوضع.
اعتبر الكثيرون أن الانسحاب كان رديئاً لهذه الدرجة لأنه “سريع” أكثر من اللزوم، ويظن المعلّقون والسياسيون في معسكر اليسار أن هذا الوضع ينجم عن المهلة النهائية التي حدّدها الرئيس دونالد ترامب، وفي معسكر اليمين، تُستعمَل هذه الحجة للدفاع عن الفكرة القائلة إن الأمريكيين ما كان يُفترض أن يغادروا البلد مطلقاً، ولا يمكن اعتبار هذا التفسير مُرضِياً في مطلق الأحوال.
حصل البنتاغون على عشرين سنة كي يبدأ العمل على استراتيجية مناسبة للرحيل من أفغانستان، بما يضمن سلامة جميع الأمريكيين وحلفائهم الأفغان، ولقد مرّت 15 سنة منذ أن أعلن جورج بوش الابن في عام 2006 أن “أيام طالبان انتهت”، ومرّت عشر سنوات منذ أن خاطب الرئيس السابق باراك أوباما الأمة وأعلن مقتل أسامة بن لادن على يد القوات الأمريكية، ولم يكن أي جزء من الوجود الأمريكي في أفغانستان متسرعاً إذاً، بل إننا لم نضع خطة مناسبة لضمان سلامة الأمريكيين ومعداتهم لأن القادة العسكريين والمسؤولين المحترفين في البنتاغون لم يستعدوا لهذه المرحلة بالشكل المناسب.
تتحمل إدارة بايدن جزءاً كبيراً من اللوم على التحركات الحاصلة في الشهر الماضي، ويُفترض ألا يُترَك أي جندي أمريكي أو معدات دقيقة أو حلفاء يرغبون في طلب اللجوء لمصيرهم، لكن تُرِك بعضهم فعلاً وهذا الوضع غير مقبول، فلا يتعلق السبب بالانسحاب بحد ذاته، بل بغياب الجاهزية من جانب القيادة العسكرية التي رفضت التعامل بجدّية مع الانسحاب إلى أن فات الأوان.
هذا الفشل الاستراتيجي غير مقبول ولا يليق بقادتنا العسكريين ويُفترض ألا يتقبّله أحد، وتكشف الوثائق المرتبطة بملف أفغانستان أن المسؤولين لم يضعوا استراتيجية واضحة على مر الحرب، وقد جاء الانسحاب العسكري المتخبّط ليؤكد هذا الواقع، ويجب أن يثق الرئيس بحدسه ويتابع التشكيك بسياسة التدخّل، لكن يُفترض أن يدرك أيضاً أن هذا النوع من الانسحاب العشوائي قد يبقي المجال مفتوحاً أمام عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة مستقبلاً. للحفاظ على سلام دائم، يجب أن تكون الاستراتيجية العسكرية التي يطبّقها الرئيس متناسقة مع سياسته الخارجية بدل أن تُضعِفها.
بالاتفاق مع صحيفة الجريدة