الرئيسية / مقالات رأي / تطبيع إيراني بلسان عراقي

تطبيع إيراني بلسان عراقي

بقلم: فاروق يوسف – العرب اللندنية

الشرق اليوم– الخبر يقول إن عشائر سنية وشيعية (حسب التصنيف الطائفي السائد الآن في العراق) اجتمع زعماؤها في إقليم كردستان وكان الهدف من اجتماعهم إطلاق دعوة للتطبيع مع إسرائيل على غرار اتفاقيات السلام الإبراهيمي.

ذلك ما يمكن أن يكون نوعا من الخيانة العظمى وفق القانون العراقي الذي لا يزال ساريا غير أن العمل به صار أصعب من نقل جبل من مكانه بحكم أن كل الساسة العراقيين يمارسون التخابر مع دول أجنبية لا لشيء إلا لأنهم ينتسبون إلى تلك الدول باعتبارهم مواطنين قد أدوا اليمين الذي يفرض عليهم خدمتها. إضافة إلى أن عددا كبيرا منهم لم يقطع الاتصالات مع أجهزة مخابرات أجنبية كان على ارتباط بها يوم كان معارضا. وعلى خلفية ذلك المشهد فإن الميليشيات المرتبطة بإيران صارت لها اليد الطولى في إدارة الحياة السياسية.

بهذا المعنى فإن العراق دولة محرومة من مواطنيها الذين يحرصون على سيادتها من موقعهم حكاما. ذلك الموقع الذي يفرض عليهم أن يكونوا في مقدمة المواطنين الذين يلتزمون بالقانون ويدعون إلى تطبيقه بحزم.

وإذا ما كانت الحكومة قد أصدرت بيانا أنكرت فيه صلتها بالمؤتمر التطبيعي فإن القضاء العراقي لن يكون صارما في التصدي لتلك الظاهرة التي يمكن اعتبارها شاذة لولا أنها يمكن أن تمر تحت غطاء ما سبقها من وقائع مهدت لها. سيكون ذلك حدثا عابرا. في هذه الحالة ستكون الحكومة محرجة شعبيا إذا ما أعلنت أن المؤتمر عُقد بعلمها. في أقل تقدير فإن مشاركة وزارة الثقافة كانت واحدة من الأحداث التي أُريد لها أن تكون معلنة. لم تكن مديرة البحوث في الوزارة موجودة هناك بتمثيل شخصي فهي نكرة بين الوجوه العشائرية. لذلك تم تكليفها بإلقاء البيان الختامي للمؤتمر في إشارة واضحة إلى مشاركة الحكومة العراقية.

إذا ما كانت الحكومة قد أصدرت بيانا أنكرت فيه صلتها بالمؤتمر التطبيعي فإن القضاء العراقي لن يكون صارما في التصدي لتلك الظاهرة التي يمكن اعتبارها شاذة لولا أنها يمكن أن تمر تحت غطاء ما سبقها من وقائع مهدت لها

ولكن هل يمكن للنظام العراقي أن يقدم على خطوة من ذلك النوع، حتى لو كانت من أجل جس نبض الشارع العراقي من غير أن يحصل على موافقة النظام الإيراني وهو المسؤول عن كل صغيرة وكبيرة من شؤون العراق الداخلية والخارجية؟

بهذا المعنى تكون إيران هي التي دفعت في اتجاه عقد ذلك المؤتمر الذي ما أن انتهت جلساته حتى صار المشاركون فيه يعلنون عن تخليهم عن مقرراته كما لو أنهم كانوا زوارا طارئين وجدوا أنفسهم عن طريق الصدفة في القاعة التي عُقد فيه. تلك لعبة مفهومة دوافعها. فما كان مطلوبا منهم قد تم تنفيذه حرفيا كما أن اختيار أربيل مكانا لانعقاد المؤتمر له مغزى كبير على مستوى تأكيد انفصال الإقليم الكردي عن العراق. ذلك ما لم يكن بعيدا عن إرادة الحكومة العراقية التي كان في إمكانها لو أرادت أن تمنع عقد المؤتمر بطرق شتى وهي تملك القدرة القانونية على ذلك بدءا من منع سفر المشاركين إلى أربيل وانتهاء بممارسة الضغط على الحكومة الكردية من أجل أن لا يُعقد المؤتمر على أراضيها مثلما فعلت أثناء أزمة الانفصال عام 2017.

شيء من ذلك القبيل لم يحدث.

انتظرت الحكومة العراقية انتهاء موظفتها التي استبدلت لقبها “اللامي” بـ“الطائي” وذلك من أجل الإيحاء بأنها سنية المذهب من إلقاء البيان الختامي لتعلن عن أن المؤتمر عُقد من غير علمها وأنها لا توافق على مقرراته. أما وزير الثقافة حسن ناظم وهو أميركي الجنسية وممثل عصائب أهل الحق في الحكومة فقد أعلن عن إحالة موظفته رفيعة المستوى إلى التحقيق. ذلك قرار حُظي بمباركة مثقفين عراقيين عماهم الباطل عن رؤية الحق فهللوا لجرأة الوزير وشجاعته. وهو ما يُحسدون عليه نظرا لعدم إدراكهم حجم الخديعة التي يرزح العراق تحت ثقلها.

يمكن للمرء أن يقول تعليقا على ذلك الجانب الذي يبدو هامشيا إن مثقفي العراق هم جزء من مشكلة البلد المعقدة. فبدلا من أن ينيروا الطرق المظلمة أمام الناس نراهم ينحرفون عن الطريق السوية ليضيفوا دروبا جديدة للمتاهة العراقية.

مثقفو العراق هم جزء من مشكلة البلد المعقدة. فبدلا من أن ينيروا الطرق المظلمة أمام الناس نراهم ينحرفون عن الطريق السوية ليضيفوا دروبا جديدة للمتاهة العراقية

كان متوقعا أن تلجأ الميليشيات الإيرانية إلى التنديد بخيانة القضية الفلسطينية كما لو أن إيران غاضبة وعلينا هنا أن نتذكر أن جيش المهدي وهو الاسم الأول الذي حملته ميليشيا مقتدى الصدر كان في مقدمة الفصائل المسلحة التي هاجمت المناطق السكنية التي يُقيم فيها الفلسطينيون في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 بحجة أنهم وقفوا مع العراق في حربه ضد إيران.

أما على مستوى سياسي فقد شهدت بغداد وتل أبيب زيارات متبادلة بين الطرفين العراقي والإسرائيلي. لم تكن تلك الزيارات رسمية غير أنها كانت رفيعة المستوى. قد يكون نموذج النائب السابق مثال الآلوسي أقل الذاهبين إلى تل أبيب شأنا.

كان العراق دائما واجهة إيران في محاولتها التقرب من إسرائيل. لذلك فإن ما تقوله الحكومة العراقية لا يمثل حقيقة الموقف الإيراني الذي سيكون في النهاية بمثابة الحائط الذي يسند إليه دعاة التطبيع ظهورهم. فهم يعرفون جيدا أن إيران هي التي نظمت مؤتمرهم وهي التي كتبت بيانه الختامي وهي التي ستحميهم.

في حقيقة الأمر فإن إيران هي التي دعت إلى التطبيع من أربيل.


شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …