الرئيسية / مقالات رأي / ماذا تعني الانتخابات المغربية؟

ماذا تعني الانتخابات المغربية؟

بقلم: إيلان بيرمان – موقع الحرة

الشرق اليوم- حين توجه المغاربة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد في وقت سابق من هذا الشهر، جاءت النتيجة نبذًا كبيرًا للإسلام السياسي، وتأكيدًا مدويًا على المسار الجيوسياسي الحالي الذي يسير عليه البلد الواقع في شمال أفريقيا، أما النتائج المترتبة على ذلك، بالنسبة للمملكة نفسها ولدورها في الشرق الأوسط الكبير، بعيدة المدى.

كان الفائز الأكبر في اقتراع الثامن من سبتمبر هو حزب التجمع الوطني للأحرار (RNI)، الذي حصل على 102 مقعدا من أصل 395 مقعدا بالمجلس التشريعي، ثم حل حزب الأصالة والمعاصرة (وسط) ثانيا بـ86 مقعدا، بينما جاء حزب الاستقلال في المركز الثالث بـ81 مقعدا.

لكن النتيجة الملفتة للانتباه كانت الهزيمة شبه الكاملة لحزب العدالة والتنمية، الفصيل السياسي الإسلامي الذي هيمن على السياسة المغربية طوال العقد الماضي، وذلك بعدما حصل على 13 مقعدًا فقط، في خسارة صاعقة بلغت 112 مقعدا بالمقارنة بآخر استحقاق انتخابي جرى في البلاد قبل 5 سنوات.

وتمثل هذه النتيجة “تصويتا بحجب الثقة” عن أجندة الحزب ورؤيته من قبل الشعب المغربي.

وقبل عقد، ارتقى حزب العدالة والتنمية إلى السلطة ضمن التيارات السياسية التي أفرزها “الربيع العربي”، حين حصل على 107 مقاعد في انتخابات نوفمبر البرلمانية 2011، ليصبح الحزب الحاكم في البلاد.

لكن العقد التالي شهد تعاملا “باهتا” للحزب مع الملفات الاقتصادية، وتمسكه بميراث تقليدي يتعارض مع ديناميكية المجتمع المغربي المتحرر، وازدادت الأحوال سوءًا العام الماضي إثر جائحة كورونا التي وضعت “العدالة والتنمية” في موقف ضعيف، وكشفت  بشكل أكبر إخفاقاته الاجتماعية والاقتصادية.

في الوقت ذاته، مثلت نتائج الانتخابات تصويتًا إزاء أولويات السياسة الخارجية كما يراها العاهل المغربي. فخلال السنوات الأخيرة، تبنى الملك محمد السادس أجندة دولية طموحة، ومثيرة للجدل، تستهدف توسيع آفاق السياسة الخارجية، والتحلي بدور قيادي في العالم الإسلامي.

وشملت هذه السياسة، من بين أمور أخرى، محاولات منسقة لتعزيز مكانة المملكة في القارة الأفريقية، وتطوير القدرات التجارية التنافسية مع أوروبا، والتقارب العلني مع إسرائيل.

وتنطوي جميع التوجهات السابقة على أخطار عالية، وقد لامس بعضها على الأقل، إلى درجة الاحتكاك، ثوابت مؤسسة السياسة المغربية، وعلى سبيل المثال، انتقدت قوى محلية (بينها العديد من عناصر حزب العدالة والتنمية) التطبيع مع إسرائيل، ووصفوه، حين تم الإعلان عنه أواخر العام الماضي، بالأمر المؤسف.

لكن يبدو أن الناخبين المغاربة لا يشاركون هؤلاء توجهاتهم، إذ تعكس نتائج الانتخابات اتفاقًا واسعًا مع رؤية السياسة الخارجية للنظام الملكي، فضلاً عن الثقة بقدرته على الإبحار بالمياه الإقليمية الحالية التي تشهد نزاعات متزايدة.

وأخيرًا، بدت الانتخابات دليلاً على التوجه المحدد لكيفية تعامل المملكة مع أهم قضية محلية وهي الصحراء الغربية. ويدير المغرب المستعمرة الإسبانية السابقة منذ منتصف السبعينيات، حيث أنفق استثمارات ضخمة على البنية التحتية للمنطقة، والاتصالات، والتنمية.

كما تبنت الرباط أيضًا حكمًا ذاتيًا سياسيًا واسعًا للصحراء، وهي صيغة تم التأكيد عليها علنًا العام الماضي، حين اعترف البيت الأبيض في عهد ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية كجزء من الاتفاق الإبراهيمي.

وفي المقابل، واجهت سياسة المغرب بالنسبة لـ”أراضيه الجنوبية” انتقادات من قبل منافسين إقليميين مثل الجزائر، وحركة البوليساريو اليسارية، بالإضافة إلى دبلوماسيين أوروبيين، اعتبروا أن وضع الصحراء يجب أن يتقرر عبر عملية تفاوضية دولية.

ولكن، وعلى الأرض، يسود واقع مختلف تمامًا. فبالنسبة لسكان الصحراء الغربية، لا تعد السيادة المغربية عبئًا، بل مشروعا سياسيا حيويا وتعدديا شاملا.. مشروع هم على أتم الاستعداد لدعمه.

وبناءً على ذلك، أظهرت النتائج الانتخابية النهائية درجة عالية من المشاركة الانتخابية بجميع المناطق الثلاث التي تتألف منها الصحراء الغربية. ففي العيون وكلميم شارك 66.94% و66.67%من الناخبين المؤهلين، و58.30% في الداخلة.

وبعبارة أخرى.. وبصرف النظر عن الجدل المحتدم بشأن الصحراء داخل بعض الأوساط، سويت المسألة  إلى حد كبير، بين السكان المحليين، لصالح الرباط.

كل ذلك ينبغي النظر إليه باعتباره تأكيدا على المسار الجيوسياسي الحالي الذي تتبعه المملكة، وقبل عقد، كان المغرب لا يزال يعتبر نفسه إلى حد كبير “استثناء” في المنطقة، أمة منفصلة عن اضطرابات عصفت بالعديد من جيرانها ولم تتأثر بها.

والآن، يتحدث المسؤولون في الرباط أكثر فأكثر باعتبار أن بلادهم “نموذجً” سياسيً يمكن أن يساعد على تحقيق قدر من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، والمؤكد أن نتائج الانتخابات الأخيرة ستمنحهم مزيدًا من الثقة على إمكانية تحقيق ذلك.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …