بقلم: عبدالله سليمان علي – النهار العربي
الشرق اليوم- من شأن تعقيدات السياسة وتشابكات الميدان أن تقلل من الآمال المعقودة على القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء المقبل، والتي من المتوقع أن يكون ملف منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية على رأس أجندتها. وجاءت بعض الإشارات المتضاربة التي أرسلتها الدبلوماسية الروسية قبيل انعقاد القمة لترفع من منسوب التحدي وتجعل من أي تكهن أو تنبؤ بخصوص القمة ومخرجاتها أمراً في غاية الصعوبة.
ولولا هذه الغارة التي أوقعت ما يقارب 11 قتيلاً في صفوف مقاتلي الفصيل المستهدف، لكان لأنقرة أن تعتبر التركيز الروسي على “بؤرة إدلب” نوعاً من التغزل بها لأنه بهذا المعنى قد استثنى مناطق الاحتلال التركي في شمال غربي سوريا من وصف الإرهاب.
وثمة رسالة أخرى استبطنها حديث لافروف عن انحصار الإرهاب في بؤرة واحدة، وهي أن موسكو لا تعتبر مناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) ضمن خانة المناطق الإرهابية التي تعمل على محاربتها، وهو ما يناقض السياسة التركية التي تنظر إلى قوات “قسد” على أنها تنظيم إرهابي يعمل على إنشاء ممر إرهابي على الحدود الجنوبية مع تركيا، الأمر الذي من شأنه، بحسب أدبيات أنقرة، أن يهدد أمنها القومي.
وبينما كان لافروف، كذلك، يطالب بخروج القوات الأميركية من قاعدة التنف ومخيم الركبان على قاعدة أن الدبلوماسية الروسية تنظر إلى وجود القوات الأميركية في سوريا باعتباره العقبة الأساسية التي تمنع التوصل إلى حل الأزمة السورية، كان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يجدد مطالب دمشق بضرورة انسحاب القوات التركية من الأراضي التي تحتلها في محافظات سورية، وذلك في مقابلة صحافية أجرتها معه وكالة “نوفوستي” الروسية. وقال المقداد إن “على تركيا سحب قواتها على الفور، وعلى المجتمع الدولي بدوره أن يدعم جهود سوريا لتحرير الأراضي التي احتلتها في شمال البلاد”. ووفقاً لوزير الخارجية السورية، فإن السبب الرئيسي للتصعيد الأخير في محافظة إدلب هو “الاحتلال التركي والدعم الذي تقدمه أنقرة للجماعات الإرهابية على الأرض”. في حين أن موسكو تعتبر أن سبب التصعيد في إدلب هو عدم قدرة أنقرة على التزام تعهداتها في اتفاقات سابقة حول فتح الطريق الدولي “أم فور” وفصل التنظيمات الإرهابية عن التنظيمات المعتدلة.
وقد ذهب بعض المراقبين إلى القول بأن ثمة تبايناً واضحاً بين موسكو ودمشق حول توصيف الدور التركي في سوريا، ففي حين تعتبر موسكو أنقرة شريكاً لا غنى عنه لشق مسار التسوية السورية والوصول بها إلى محطة الحلّ، فإن دمشق تعتبر القوات التركية أشد خطراً من الاحتلال الاسرائيلي، اذ سبق لنائب وزير الخارجية السوري بشار الجعفري أن أشار في أكثر من مناسبة الى أن ما تحتله القوات التركية من الأراضي السورية يعادل أربعة اضعاف ما تحتله إسرائيل.
غير أن قسماً آخر من المراقبين يذهب إلى عكس الرأي السابق، ويعتقد أن تباين التصريحات الروسية السورية حول خروج القوات الأجنبية والجهة المقصودة بها تركيا أو الولايات المتحدة، إنما هو مجرد اختلاف على تحديد الأولويات التي ينبغي البدء بها، وليس اختلافاً على جوهر السياسة المتبعة من الجانبين. وقد يكون تركيز موسكو على خروج القوات الأميركية وتركيز دمشق على انسحاب القوات التركية مجرد توزيع للأدوار بين البلدين الحليفين نظراً الى أن علاقة روسيا بتركيا محفوفة بكثير من الملفات الحساسة وقد تستشعر بالحرج من تصعيد خطابها ضد أنقرة لما يمكن أن يجره ذلك من تداعيات على علاقة البلدين. ولعلّ الغارة الروسية ضد معسكر “فرقة حمزة” قبل أيام جاءت لتدعم وجهة النظر هذه وتؤكد أن موسكو لا ترحب بوجود أي قوات أجنبية في سوريا خارج إطار التفاهم مع دمشق.
ونظراً الى وجود اتفاقات رسمية ومذكرات تفاهم موقعة بين روسيا وتركيا حول ملف منطقة خفض التصعيد في إدلب لتنظيم المنطقة وضبطها بما يحافظ على مصالح البلدين، يرى خبراء سوريون في القانون الدولي أن موسكو لا تستطيع الانقلاب على هذه الاتفاقات والمذكرات لتغيير خطابها بما يتناسب مع خطاب دمشق التصعيدي ضد أنقرة، لأن موسكو بتوقيعها على تفاهمات مشتركة مع أنقرة اعترفت بدور الأخيرة في سوريا وأسبغت عليه نوعاً من الشرعية وإن كانت نسبية أو موقتة تنتهي بانتهاء الظروف التي أدت إليها.
واستناداً إلى ما سبق يبدو أن التوقعات حول قمة بوتين – أردوغان لن تخرج عن هذه الأطر السابقة التي حكمت علاقة البلدين طوال السنوات السابقة. فليس في الأجواء ما يوحي بإمكان حدوث تصعيد خطير في إدلب يؤدي إلى كسر المعادلات القائمة وقلب الطاولة على مختلف اللاعبين، كما أن التهدئة ستكون محسوبة بمدى قدرة الطرفين على تنفيذ بنود الاتفاقات السابقة وعلى رأسها فتح الطريق الدولي “أم فور” الذي يستلزم سيطرة الجيش السوري على المناطق الواقعة جنوب هذا الطريق وهو ما نص عليه اتفاق الخامس من آذار (مارس) العام الماضي الذي جعل المناطق الواقعة جنوب الطريق تحت إشراف روسي مباشر والمناطق الواقعة شماله تحت إشراف تركي.