بقلم: تحسين الحلبي – الوطن السورية
الشرق اليوم- في 21 أيلول الجاري ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لو صدق فيه لأصبحت السياسة الأميركية الخارجية في العالم مختلفة كلياً عما شهدناه من أشكال العدوان والتدخل العسكري التي تبنتها ضد الشعوب خلال عشرات السنين، وقد رصد هذه الحقيقة الكاتب السياسي الأميركي تيد سنايدير المختص في تحليل تاريخ الولايات المتحدة وسياستها الخارجية، وفنّد في دراسة موجزة نشرها في المجلة الإليكترونية «أنتي وور» في 27 من أيلول الجاري، نفاق وأكاذيب ما أعلنه بايدن أمام العالم.
في خطابه المشار إليه، قال بايدن: إن «الولايات المتحدة لا تحاول خلق حرب باردة ولا ترغب بتجزئة العالم إلى كتل منهارة»، والحقيقة هي أنه أطلق سبعة بيانات تفند قوله حين قال في تلك البيانات بعد إلقاء خطابه بأيام: إن «إدارته متمسكة بدورها القيادي للعالم» وأضاف: «إن إدارته تركز على رؤية التحديات الرئيسة المقبلة بالمستقبل وأهمها معالجة التحولات الديناميكية في قدرات القوى العالمية» وهو يقصد الصين، والتصدي لها لمنع تزايد قوتها واتساع نفوذها ويحدد رغبته بالتصدي لها تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية وهو في حربه ضد الصين سيعمل على حشد أكبر عدد من القوى ضدها ويعد كل من لا يعارضها شريكاً لها.
وكان قد قال في خطابه: إنه «سيفتتح هذا العصر الجديد بانتهاج سياسة دبلوماسية دائمة»، وتبين بموجب تحليل سنايدير، أنه نفذ سياسة استفزاز الصين بتحريض تايوان عسكرياً ضدها، في حين لم ينفذ أي سياسة دبلوماسية تجاه كوبا، وهدّد خصوم الولايات المتحدة بحرب استخباراتية وسايبرية، كما لاحظ الجميع أنه لم يتخل عن سياسة فرض العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية على كل من يناهض السياسة الأميركية، ولم يسمح بتطبيق حرية التجارة العالمية لدول لا تقبل بالإملاءات الأميركية، وكشف سنايدير أن العقوبات الأميركية على كوبا كلّفت الدولة الكوبية 130 مليار دولار، وأن العقوبات على فنزويلا قتلت ما يقرب من 40 ألفاً من المواطنين الفنزويليين برغم الوعود الأميركية بانتهاج سياسة الدبلوماسية! وإذا تحدثنا عن الحرب الكونية التي قادتها الإدارات الأميركية مع المجموعات الإرهابية منذ عام 2011 ضد سورية، فسوف نجد أنها قتلت مئات الآلاف من المواطنين السوريين خلال تلك الفترة، وحين انتصر الجيش العربي السوري وحلفاؤه على هذه المجموعات ومن كان يدعمها، سارعت الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة بتاريخ المنطقة على سورية انتقاماً من انتصارها، ومن صمود الشعب وتمسكه بقيادته، وهدّدت دولاً عربية وغير عربية بمعاقبتها إذا لم تلتزم بمقاطعة سورية، إلى أن أجبرت منذ أسابيع على الاعتراف بهزيمتها والتسليم بهذه الهزيمة حين سمحت للأردن ولبنان ومصر والعراق بالتعامل مع سورية في عدد من المجالات الاقتصادية بعد أن دفعت نفس هذه الدول ثمناً اقتصادياً باهظاً من الخضوع للسياسة الأميركية وخاصة لبنان والأردن وتعرضهما لأضرار متراكمة تهدد استقرارهما أكثر مما تلحق مقاطعتهما لسورية الضرر بها.
وكذلك تجاه حلفاء سورية عجز ثلاثة رؤساء أميركيين عن ضرب التحالف السوري- الإيراني والسوري- الروسي طوال السنوات الماضية، ولم تجد إدارة بايدن الجديدة أي نجاح يمكن تحقيقه في هذا الاتجاه ولذلك يتوقع سنايدير أن تسلم واشنطن في الأشهر المقبلة بالأمر الواقع الإيراني لأن هذا الخيار سيكون أفضل الخيارات طالما أن ثمن الخيار العسكري ضد إيران سيكون باهظاً على الولايات المتحدة ومن دون أن تضمن تحقيق أي تغيير في سياسة إيران وحلفائها ودورهم الأكثر فاعلية في المنطقة والعالم.
هذا الخطاب الدبلوماسي الذي استخدمه بايدن في الجمعية العامة للأمم المتحدة رغم ما يتضمنه من نفاق، لم يكن سوى تعبير عن هزيمة واشنطن أمام كوبا وفنزويلا وسورية واليمن والعراق، وهو سجل باهر لانتصار هذه الدول على أكبر قوة عظمى في العصر الجديد، وفي النهاية لم يدفع ثمن هزيمة حروب أميركا في المنطقة إلا دافع الضرائب الأميركي وبعض الدول الحليفة لها في المنطقة.