افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – إذا كانت أنجيلا ميركل استطاعت تغيير وجه ألمانيا وأوروبا خلال وجودها في منصب المستشارية طيلة 16 عاماً، فإن نتائج الانتخابات الألمانية التي جرت، أمس الأول الأحد، تشير إلى أن ألمانيا جديدة غير التي عرفناها هي قيد التشكيل، بعد أن أظهرت النتائج تراجعاً تاريخياً لحزب ميركل، (الاتحاد المسيحي الديمقراطي)، بحصوله على 196 مقعداً، فيما حقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي تقدماً ملحوظاً بحصوله على 206 مقاعد، وكذلك حزب الخضر الذي حصل على 118 مقعداً.
صحيح أن ميركل ستظل في منصب المستشارة، ولكن إلى حين اجتماع البرلمان المنتخب واختيار مستشار جديد خلال فترة لا تتجاوز الشهر، وحتى ذلك الحين، تجري مفاوضات بين الأحزاب التي يمكن أن تشكل تحالفاً لاختيار حكومة جديدة.
وفي ظل النتائج الحالية للانتخابات، فإن التغيير الذي حصل بتراجع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي هو جراء ضعف أداء زعيمه، أرمين لاشيت، في إقناع الناخبين ببرنامجه الانتخابي، فيما استطاع أولاف شولتز الذي قاد الحزب الاشتراكي الديمقراطي أن يقلب الطاولة ويحقق فوزاً غير متوقع، بعد أن كانت استطلاعات الرأي تعطيه نسبة 12 في المئة، لكنه استطاع الحصول على 25.7 في المئة، بينما حصل حزب لاشيت على 24.1 في المئة.
لا شك في أن المفاوضات لتشكيل الحكومة لن تكون سهلة بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي المسيحي، إذ عليه أن يخوض مفاوضات شاقة مع حزب الخضر الذي سيلعب دور«بيضة القبان» في تشكيل الحكومة، خصوصاً أن رئيسة الحزب، أنالينا بيربوك، مرشحة لمنصب المستشارية، وأيضاً مع حزب الديمقراطيين الأحرار الذي حصل على 92 مقعداً، بزعامة كريستيان ليندنر.
لكن بالنسبة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة شولتز، فإن مفاوضاته مع هذه الأحزاب قد تكون أسهل، طالما أنها خاضت الانتخابات تحت شعار التغيير، لكن عليه أن يقدم تنازلات في ما يتعلق بالضرائب والمناخ والرقمنة، وهي قضايا أساسية منح الشعب الألماني أصواته بسببها لهذه الأحزاب باعتبارها قضايا أساسية وحيوية بالنسبة إليه، إضافة إلى مسألة اللاجئين.
لقد نجحت ميركل خلال فترة وجودها في السلطة، وقادت بلادها وسط عواصف شديدة، بدءاً من الأزمة المالية العالمية عام 2008، ثم أزمة منطقة اليورو، مروراً بقضية اللاجئين وصعود الشعبوية، ووباء «كورونا»، لكن الجيل الجديد يرى أن سياساتها لم تعد صالحة للمستقبل، خصوصاً ما يتعلق بالبيئة وقيم الديمقراطية والعدالة، لذلك قرر أن يغيّر عبر صناديق الاقتراع.
ربما تكون ألمانيا أمام فصل في تاريخها الحديث، خصوصاً بالنسبة إلى التعامل مع مسألة المناخ، وقيادة الاتحاد الأوروبي، والعلاقات عبر الأطلسي، ثم مع روسيا، وتحديداً ما يخص خط الغاز «نورد ستريم 2» الذي تعارضه بعض الأحزاب الألمانية، وتحديداً «حزب الخضر» الذي يرى أنه يضر بالبيئة.