بقلم: سناء الجاك – سكاي نيوز
الشرق اليوم– فجأة ومن دون سابق إنذار، صنف رئيس كتلة “حزب الله” النيابية محمد رعد، في كلمة له أمس الأحد، الذين “تمسكنوا” وشكلوا الحكومة اللبنانية، بأنهم من “الأعداء المتسلطين المتوهمين أن الفرصة سانحة للانقضاض على بيئة المقاومة من خلال الانتخابات” المرتقبة بعد ستة أشهر تقريبا. وهدد هؤلاء “الأعداء المتسلطين” بأن “الحزب يواكبهم من الداخل والخارج”.
فجأة ومن دون سابق إنذار، نفضت المرجعية السياسية والإيدلوجية التي ينتمي إليها رعد يدها من تشكيلة حكومية، لم تكن ستبصر النور إلا على قياس ما يمثل ومن يمثل، فقد استغرقت ولادتها 13 شهرا من التعطيل والأزمات المعيشية القاتلة، لتولد من رحم تفاهم جليٍّ بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والإيراني إبراهيم رئيسي وبتسامح أميركي شمل إلى التشكيل غض نظر عن الوقود الإيراني وتسهيل لاستجرار الغاز المصري على حساب قانون قيصر.
وسأل رعد “الأعداء المتسلطين” عن غايتهم من الانتخابات. وأجاب عنهم متهما إياهم “يريدون الحصول على الأكثرية النيابية. وانهم يحضرون كل العتاد والعدة وسنشهد ضغوطاً كبيرة على المرشحين من الذين يؤيدون نهج المقاومة، وسيحاولون شراء الذمم من أجل ان يعدلوا موازين القوى، ويغيروا المسار السياسي في البلد ويأخذوه الى حيث أخذوا بعض الدول لمصالحة العدو الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه”.
ونسي أو تناسى أن المحور بدأ عمله فعلا، وها هو من يشتري الذمم من خلال توزيع الوقود الإيراني على من يمكن استثمارهم في المعركة الانتخابية المرتقبة. كذلك نسي أن لا أحد من إفراد هذه المنظومة الحالية يملك الجرأة على مواجهة الأذرع اللبنانية للمحور ومرتزقتهم. فقد سلموا جميعا بأن لبنان يعيش الزمن الإيراني. والواضح أن المجتمع الدولي سلّم، هو أيضا، بنجاح إيران في انتزاع لبنان من محيطه العربي.
كذلك نسي أو تناسى أن مسألة التطبيع وصلت إلى سوريا بفعل مفاوضات تتم بوساطة روسية وليس على يد “الأعداء المتسلطين”.
وعلى الرغم من ذلك، لا يجد المحور عضاضة باصطناع نضال يستوجب تكليفا شرعيا لمواجهة اضطهاد مزيف يتعرض له ويعاني منه ويبرر له مد يده إلى أمن الدول الواقعة تحت سيطرته يفسد فيها وينسف استقرارها.
ولا يهم التناقض بين الاستهداف الكوني للمحور وبين استعراض العضلات المرتقب لتكريس انتزاع السيادة اللبنانية مع زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، التي ستحصل بعد إجراء التحضيرات اللازمة “في أقرب فرصة ممكنة لتقديم التهاني إلى لبنان حكومة وشعبا”. وطبعا للاحتفال بإطباق يد المحور على الورقة اللبنانية التي جُرِّدَت من كل ما هو لبناني وعربي فيها.
فالحكومة التي لم تتشكل إلا على قياس مصالح هذا المحور وبعد إنجاز عملية التخريب الممنهجة لكل مرافق الإدارة والمؤسسات الرسمية، واستبدال مفهوم الدولة بالفوضى والتجويع وإغراق الناس بالأزمات المتلاحقة بغية القضاء على أي تحرك يهدف إلى تغيير مَنْ يمكن تغييره مِنْ ممثلي السلطة القابضة على أنفاس اللبنانيين.
لكن هذه الوقائع لا تحول دون التوقف عند الخطاب الهجومي لرعد ومحوره الممانع على المنظومة التي لا يستغني عنها كواجهة تُشَرْعِن مصادرته السيادة اللبنانية. ففي المسألة انقلاب يذكرنا بما حصل بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006. حينذاك وقف “حزب الله” ومعه المحور الممانع خلف الحكومة اللبنانية التي كان يترأسها فؤاد السنيورة، والتي أفرزتها انتخابات نيابية بموجب تفاهم الحزب مع القوى السياسية التي لا يزال يتهمها بالعمالة، وتركوا له مسألة التفاوض مع الأمم المتحدة لإنجاز القرار 1701 وانتهاء العدوان ووقف القتال. وقبل أن يجف حبر التوقيع على القرار بدأ الانقلاب على السنيورة، وبدأت المسيرة التنفيذية لقضم الدولة ومؤسساتها وصولا إلى ما نحن فيه.
واليوم، تشي المؤشرات باحتمال تكرار المشهد الانقلابي مع رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي عقب زيارته الباريسية، وربط المساعدات لوقف الانهيار المالي والاقتصادي بعملية الإصلاح.
وقد يقول قائل بأن مثل هذا الكلام لا يتجاوز السعي إلى شد عصب البيئة الحاضنة للحزب ومحوره عشية الانتخابات وبعد تردي أوضاع اللبنانيين جميعا، ومن ضمنهم هذه البيئة، وصولا إلى الفقر والجوع، ما يستلزم تخويفهم من “الأعداء المتسلطين” الذين عجزوا قبل سنوات عن انتخاب رئيس للجمهورية، بالرغم من أنهم كانوا يشكلون الأكثرية البرلمانية، لينصاعوا إلى فرض ميشال عون على سدة الرئاسة، الذين فشلوا في تشكيل حكومة وفق الدستور ليرضخوا ومعهم الرئيس الفرنسي إلى شروط المحور الممانع ومتطلباته.
فالتجارب السابقة تحمل في طياتها اليقين على أن المحور الممانع الذي اشترى ذمم المنظومة السياسية التي يديرها في لبنان، ويفرض عليها سياساتها الخارجية، حاضر ليبيعها، وبأثمان يعرف كيف يقايض بشأنها ومع من ومتى ولماذا، ليصبح التفاهم الظرفي مع الفرنسيين بشأن بعض التسهيلات الصورية والوهمية للأزمة اللبنانية محطة عبور وبوابة نحو الصفقة الأكبر المنتظرة من خلال مفاوضات فيينا.
وبالانتظار، قد يترك المحور وأذرعه ومرتزقتهم لنجيب ميقاتي، السلس والماهر في تدوير الزوايا، أن يسعى إلى ما يمكن الحصول عليه من قروض وهبات للجم الانهيار وتنفيس غضب الشعب عشية الانتخابات. لكن ذلك لا يحول دون جهوزية الانقلاب عليه، إذا ما استدعت المصلحة ذلك، وتصنيفه رأس حربة لهؤلاء “الأعداء المتسلطين” الذين يتآمرون فسادا وعمالة بغية الانقضاض على “المقاومة”.