بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم– المحاولة الإنقلابية في السودان، أتت بمثابة تذكير بهشاشة مرحلة الانتقال إلى الديموقراطية، وكانت إنذاراً لما يمكن أن يطرأ من محاولات للعودة بالأمور إلى الوراء.
سعى الإنقلابيون إلى استغلال مصاعب الحياة اليومية للمواطن السوداني، فضلاً عن حالة عدم الوئام داخل المجلس السيادي الحاكم الذي يضم مدنيين وعسكريين، وكان تم الاتفاق على تشكيله عقب ثورة شعبية في ربيع 2019 أطاحت نظام عمر البشير الاستبدادي الذي استمر 30 عاماً.
هذا المجلس شكل حلاً وسطاً بين قوى الثورة من المدنيين وقيادة الجيش التي عملت على تنحية البشير. واتفق الجانبان المدني والعسكري على تقاسم الحكم خلال مرحلة انتقالية من 39 شهراً تجري في نهايتها انتخابات عامة لتشكيل حكومة مدنية بالكامل.
لكن هذه المرحلة التي انطلقت في 2019، كانت مملوءة بالإنجازات والتحديات في وقت واحد. وأخذ رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على عاتقه خوض مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي وإجراء إصلاحات اتسمت بالجرأة، لا سيما منها رفع الدعم عن الوقود والذي قوبل باحتجاجات شعبية في الخرطوم ومدن أخرى. وتمكن حمدوك أيضاً من إقناع دول كثيرة بشطب مبالغ كبيرة من ديون السودان الخارجية البالغة 60 مليار دولار. وأبرمت الحكومة اتفاقات سلام مع عدد من الحركات المتمردة في شرق السودان وغربه، وأقرت فصل الدين عن الدولة.
وإنضمت إلى اتفاقات إبراهيم للسلام مع إسرائيل بعد دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. وصادق الكونغرس الأميركي على رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، بعدما وافقت الخرطوم على دفع تعويضات لضحايا تفجيرات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام في التسعينات من القرن الماضي وكذلك لأسر ضحايا المدمرة “كول” قبالة سواحل اليمن عام 2000، كون كان السودان يستضيف تنظيم “القاعدة” الذي نفذ هذه الهجمات.
ووافق القضاء السوداني على تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، ليحاكم بتهمة إرتكاب جرائم ضد الإنسانية في حرب دارفور.
ولم تحظَ كل القرارات التي اتخذتها الحكومة بتأييد شعبي. فإضافة إلى رفع الدعم عن الوقود، حررت الحكومة سعر صرف الجنيه السوداني، في سياق الشروط التي طالب بها البنك الدولي، بينما كانت مستويات التضخم تبلغ 400 في المئة.
كما أن التأخر في تحقيق العدالة لأسر الذين قتلوا إبان حكم البشير وفي الاحتجاجات التي تلت إطاحته، زاد من الانتقادات الموجهة للحكومة.
وتجددت في الأشهر الأخيرة التوترات بين جماعات عرقية مختلفة في شرق البلاد، ما أسفر عن فرار مئات الآلاف. وألقت حرب تيغراي في أثيوبيا المجاورة بثقل إضافي على الاقتصاد السوداني المتعب أساساً، بعد فرار عشرات آلاف اللاجئين من هذا الإقليم إلى داخل الأراضي السودانية. كما شكل مضي إثيوبيا في ملء سد النهضة من دون اتفاق مسبق مع الخرطوم، عبئاً سياسياً آخرَ على حكومة حمدوك.
وحاولت الحكومة السودانية إيجاد حلٍ للأزمة مع إثيوبيا بالتنسيق مع مصر، وشهدت هذه الفترة تنسيقاً سياسياً وعسكرياً مع القاهرة، وانعكس ذلك ضغطاً على إثيوبيا والمجتمع الدولي للتحرك نحو إيجاد حل دبلوماسي يؤمن مصالح السودان ومصر بالنيل الأزرق.
ونسجت الحكومة السودانية علاقات متينة مع دول الخليج العربية، سعياً إلى استثمارات في بلد متعطش إلى خلق الوظائف وإيجاد فرص عمل في بلد لا يزال يعاني من آثار العزلة الدولية التي أوقعه فيها نظام البشير.
وفي خضم هذا الوضع المضطرب، حاول مخططو الانقلاب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولا يعني فشلهم، أن السودان قد اجتاز التحدي وعبر إلى منطقة الأمان. فلا شيء يضمن أن تعمد مجموعات أخرى في الجيش إلى استغلال نقاط ضعف الحكومة في المرحلة الانتقالية للانقضاض على الإصلاحات … وعلى الأمل بنقل السودان إلى الحكم المدني.