الرئيسية / مقالات رأي / شرق السودان.. سيناريوهات محتملة

شرق السودان.. سيناريوهات محتملة

بقلم: محمد جميل أحمد – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- بعد مضي أكثر من أسبوع على إغلاق شرق السودان، عبر ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا، حيث شمل الإغلاق الطريق بين ميناء السودان الرئيسي (بورتسودان) والعاصمة الخرطوم، وإغلاق الميناء الجنوبي في بورتسودان إلى جانب إغلاق ميناءي النفط بشائر 1 وبشائر 2 ، بدا واضحاً أن تهاون الدولة، خصوصاً الشق العسكري منها، مع إغلاق كهذا يعتبر وضعاً إشكالياً قد يؤشر إلى تواطؤ خفي بين كل من المكون العسكري في الخرطوم، وما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا بقيادة الناظر محمد الأمين ترك.

ثم جاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة، الأسبوع الماضي، لتلقي بظلالها على طبيعة ما يجري من أحداث. لكن الأمر الذي كان مثيراً للدهشة هو الهجوم غير المبرر الذي شنه كل من الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على المكون المدني في شراكة المرحلة الانتقالية، أي قوى الحرية والتغيير. ما أدى إلى رد قوي من جانب قوى الحرية والتغيير ضد المكون العسكري، وصف هجوم كل من البرهان وحميدتي بـ”غير المبرر” وبأنه أسوأ من الانقلاب ذاته.

تبدو الشراكة بين المدنيين والعسكريين في قيادة المرحلة الانتقالية، خصوصاً في ضوء أحداث شرق السودان، كما لو أنها شراكة معطوبة. فقد كشفت أحداث شرق السودان وجرائم إقفال مرافق قومية حيوية، كالطريق الرئيس بين الميناء والعاصمة، والميناء الرئيس وموانئ النفط في الشرق، أن هناك في المكون العسكري (الذي بيده أداة فرض هيبة الدولة) من هو غير مبالٍ بالجرائم الفوضوية التي تحدث في شرق السودان. وهذا في تقديرنا ربما يعود إلى مأزق متصل بالقائمين على قيادة المكون العسكري، من أمثال البرهان وحميدتي وشمس الدين الكباشي. فالإفادات التي ذكرها عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي سليمان، خلال لقاء تلفزيوني، كشفت بوضوح أن العسكر كانوا غير مبالين بخطورة إغلاق شرق السودان من جماعة فوضوية هناك. وذلك خلال الاجتماع الذي جرى بين قوى الحرية والتغيير وبين العسكر على خلفية طبيعة التصرف مع أحداث الشرق.

وكان واضحاً في تصريحات الناظر ترك، رئيس ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا، في أكثر من قناة تلفزيونية، أنه يتحرك تحت حماية العسكر! والأكثر غرابة ما كشف عنه موقف والي حكومة البحر الأحمر عبدالله شنقراي، الذي تتحدث بعض التسريبات أن تحرك مواكب الناظر ترك بين مدن الولاية لمخاطبة أتباعه وأمرهم بتعاليم إغلاق المنشآت والمرافق القومية، كان بمركبات تابعة للجيش ولحكومة الولاية. الأمر الذي يطرح تساؤلاً مريباً حيال هذا الموقف الغريب لحكومة ينتمي واليها، افتراضاً، إلى قوى الحرية والتغيير.

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في الخرطوم، الأسبوع الماضي، بتدبير من فلول عسكرية موالية للنظام السابق، والإدانات التي تواترت عليها من المجتمع الدولي، بدا واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية تواصل اهتمامها بانتقال آمن للمرحلة الانتقالية الديمقراطية، وهي التي دعمت مبادرات وقوانين، مثل “قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية لعام 2020″، إضافة إلى العديد من الخطوات الداعمة للمدنيين، والتي سيكون آخرها زيارةُ مرتقبة لكل من جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي، وجيفري فيلتمان مبعوث الولايات المتحدة لشؤون القرن الأفريقي، إلى الخرطوم في الأسبوع المقبل.

إلى جانب هذه الخطوات، شهدت مدينة كسلا (شرق)، السبت 25 سبتمبر (أيلول)، حشداً ضم عشرات الآلاف من غالبية مكونات قبائل البجا في شرق السودان دعماً لمسار شرق السودان (الذي تم بسبب رفضه إغلاق شرق السودان من طرف مجلس الناظر ترك). وكان واضحاً أن حشد ضاحية شمبوب في كسلا جاء ليوجه رسالةً قوية إلى المركز مفادها أن غالبية قبائل البجا في شرق السودان بنظاراتها السبع التي يضمها المجلس الأعلى للإدارة الأهلية في شرق السودان لا تعترف بما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا.

فالذين احتشدوا في شمبوب السبت الماضي، فضلاً عن أنهم يمثلون غالبية قبائل البجا وقبائل الشرق ضد الفوضى الخطيرة التي بدأ فيها مجلس ترك بإغلاق شرق السودان في إرادة  واضحة لتفجير السلم الأهلي، هم كذلك وجّهوا رسالة قوية إلى الخرطوم.

وكان واضحاً أيضاً أن لا أحد يقف ضد مجلس ترك في شرق السودان بعد تلك الفوضى المهددة للسلم الأهلي، سوى تجمع شمبوب. فالقوى السياسية والأحزاب في الشرق ضعيفة وغائبة، وقوى الحرية والتغيير منقسمة. أما المواطنون من مكونات شعب شرق السودان فمنكمشون، فيما الثورة المضادة من طرف فلول عناصر نظام عمر البشير على أشدها.

وفق هذا الوضع المأزوم، إذا لم يعترض أحد وامتنع الجميع في مدن شرق السودان عن تسجيل موقف وطني جماعي سلمي ضد ما يفعله ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا، لا سيما في ظل إحجام من هو منوط بفرض هيبة الدولة عبر قوة القانون أي المكون العسكري، سيعني بالضرورة أن من يتخذ موقفاً سلبياً كهذا- مهما كانت تبريراته أو تأويلاته- هو شخص كمن يوجّه رسالة سالبة تقر بأنه ساكت عن خطر كبير وفوضى شاملة تقترب من تفجير السلم الأهلي في الشرق.

فالمسار الذي يصر أنصار الناظر ترك في ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا على إلغائه هو اتفاق يمثل حكومة السودان، لأن الذين أجازوه ووقعوا عليه في اتفاق جوبا هم العسكر وقوى الحرية والتغيير والمجتمع الدولي. لكن، من ليس لديهم أدنى إطلاع على بنود اتفاق مسار شرق السودان ممن يتأثرون بالزخم الإعلامي لخطاب الناظر ترك، يظنون أن المسار سلب البجا (البداويت) حقوقهم (مع أن حصة أحزاب المسار هي 30 في المئة من السلطة والثروة في الشرق). لكن حقيقة الأمر تعكس خلاف ذلك تماماً. ذلك أن سبب رفض مجلس ترك وأنصاره اتفاق مسار شرق السودان هو في جوهره سبب عنصري يمكن أن نصوغه في السؤال الاستنكاري التالي من طرف أنصار الناظر ترك: “كيف يجوز أن يوقع على مسار حصته من السلطة والثروة 30 في المئة أشخاص فيهم من مكوني بني عامر والحباب؟”.

لذلك، رفضت الحكومة وقوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية مطالب مجلس ترك طوال سنتين من المفاوضات معهم، لأن أسباب اعتراضهم عنصرية، ولأن ليس هناك دولة تحترم نفسها وفيها حكومة ثورة ولها دستور، وموقعة على مواثيق حقوق الإنسان الدولية كعضو في الأمم المتحدة يمكنها أن تقبل بحرمان مكون من مواطنيها من نصيب في السلطة والثروة استجابةً لضغوط مكون آخر يعترض على ذلك النصيب لأسباب عنصرية فحسب؟

هذه هي حقيقة الأوضاع في شرق السودان الذي يتحرك فيه الناظر ترك عبر ما يسمى المجلس الأعلى لنظارات البجا، ويخلق أوضاعاً فوضوية برعاية العسكر!

لقد ظل سيناريو شد الأطراف، الذي استخدم ملفات أمنية خطيرة لإدارة الفتنة في شرق السودان وغربه، مثيراً لأسئلة كثيرة تتصل بطبيعة المأزق الذي تعكسه تصرفات قادة المكون العسكري في الشراكة الانتقالية، وهو غالباً مأزق يتصل بوضع لجنة التحقيق الوطنية بقيادة المحامي نبيل أديب في قضية فض اعتصام القيادة العامة الذي جرى يوم 3 يونيو (حزيران) 2019 وراح ضحيته أكثر من 250 من الثوار، إلى جانب مفقودين. ومنذ سنتين، من بداية لجنة التحقيق عملها في ملف التحقيق في مذبحة اعتصام القيادة العامة، حتى الآن، لم تظهر النتائج!

حيال ما يبدو من عمليات شد الأطراف التي شهدها العامان الماضيان عبر موجات من الاقتتال الأهلي، خصوصاً في شرق السودان وغربه، إلى جانب إطلاق عصابات النيقرز في الخرطوم بطريقة أصبحت ظاهرة، وصولاً إلى اللامبالاة الخطيرة من طرف المكون العسكري حيال إغلاق شرق السودان، ما قد يتسبب في فوضى تنذر بحرب أهلية لا ينجو منها السودان، فهل يمكن القول إن من تدور حولهم شبهات في قضية فض اعتصام القيادة ضمن المكون العسكري يسيرون على خطى البشير، الذي كان يتحصّن بالرئاسة خوفاً من ملاحقة الجنائية الدولية؟ إذا كان ذلك صحيحاً، فإن الوضع اليوم مختلف، لأنه إذا انفجر شرق السودان واندلعت حرب أهلية فإن الهيكل سيسقط فوق الجميع.

لكن، ربما من المهم انتظار نتائج زيارتي سوليفان وفيلتمان، فربما تتكشفان عن اختراق ما، قد يُحدث فرقاً في ظل الأوضاع الأمنية الخطيرة التي توشك أن تنفجر فيها منطقة جيوسياسية حساسة مثل منطقة شرق السودان!

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …