بقلم: د. ناصر زيدان – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – اللحظة السياسية التي جرت فيها الانتخابات التشريعية في المملكة المغربية تحمل خصائص بارزة، لأن التطورات التي رافقتها في داخل المغرب وفي خارجه كانت مفصلية. كانت حركة «الإخوان» اندفعت لتولّي السلطة في أكثر من دولة عربية، لاسيما في المغرب العربي، مستغلة أحداث ما يسمى «الربيع العربي» للمطالبة بتحسين ظروف المعيشة، وتوسيع منسوب الحريات، ورفض التدخلات الأمنية في الشؤون السياسية في هذه البلدان.
حزب العدالة والتنمية «الإخواني»، تولَّى رئاسة الحكومة في المغرب بعد انتخابات عام 2016، لأنه حصل على أكبر كتلة نيابية مؤلفة من 125 مقعداً من أصل المقاعد الـ395 التي يتشكل منها البرلمان، وقد عيّن الملك محمد السادس رئيس المجلس الوطني للحزب، سعدالدين العثماني، رئيساً للحكومة بعد هذه الانتخابات. ومن دون أن ندخل في تفاصيل الإخفاقات السياسية والمالية والصحية التي وقعت فيها حكومته؛ يمكن التأكيد أن نتائج انتخابات 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، أعطت دليلاً واضحاً على إخفاق حكم «الإخوان»، وكانت تجربتهم الأولى في صدارة السلطة في المغرب من أكثر التجارب فشلاً على الإطلاق، ولم يقتصر الأمر على هزيمتهم النيابية، بل إن نتائج انتخابات المجالس المحلية التي جرت بالتزامن مع النيابية، أكدت الهزيمة.
أما البيان الذي صدر عن حزب العدالة والتنمية، ويتحدث فيه عن عمليات تزوير ورشوة، وينسب إخفاقه إلى خلل في قانون الانتخاب؛ فهو دليل إضافي على حصول نوع من إفلاسه السياسي، لأن القانون المعمول به حماهم من الاندثار البرلماني نهائياً، وحفظ لهم 12 مقعداً.
وعلى مستوى الدلالات الخارجية؛ فقد كان واضحاً أن السقوط المدوي «للإخوان» في المغرب، تزامن مع فشل سياسة الحركة في أغلبية الدول العربية التي يتواجد فيها هؤلاء، لاسيما في تونس ومصر والسودان وليبيا، ما يؤكد أن البيئة التي كانت تحتضنهم، اكتشفت أن الشعارات التي تسللت عبرها الحركة إلى مشاعر بعض المواطنين، ومنها خطابات الجهاد وادعاء الدفاع عن فلسطين وتحقيق العدالة والإنماء؛ كانت شعارات خاوية. وممارسات الحركة في السلطة في المغرب وفي تونس، وغيرهما، أثبتت مُحصّلة معاكسة تماماً لهذه التوجهات، وأدى دورهم في السلطة إلى إضعاف الدولة، واستباحة القوانين وتراجع مستوى النمو الاقتصادي وزيادة معدلات الفقر والبطالة وتراجع الاستثمارات.
ومن الواضح أن ما يمكن تسميته «أفول الحقبة الإخوانية» سيُعيد منسوب التضامن العربي إلى مستويات أفضل، لأن محاولات إبعاد دول المغرب العربي عن دول المشرق فشلت، كما أن الوقت الدولي الذي خُصص لإحداث تأثيرات خارجية – خصوصاً إقليمية – من قبل التنظيم الدولي «للإخوان» في الساحة العربية؛ أستُنزف بالكامل، من دون أن يحمل أي علامة إيجابية فارقة، وهذه المقاربات التي حصلت في السابق أعطت الذرائع والحجج لتدخلات إقليمية ودولية أخرى في الشؤون العربية، كانت حصيلتها مزيداً من الفوضى والانحلال.
وساهمت الولايات المتحدة الأمريكية عن قصد، أو عن غير قصد، في تشجيع الحركات المتطرفة، وبعض الأدوار التي قامت بها مع شركاء آخرين كانت نتائجها في غاية السلبية، وبدل أن تحصد توجهاتها نمواً ومزيداً من الحريات والديمقراطية، فقد أدت إلى مرامٍ معاكسة، واستغلتها قوى طامعة في توسيع منسوب نفوذها في المنطقة العربية، كما أدت إلى تقوية المنظمات المتطرفة المرتبطة بمشاريع خارجية واضحة، والتجربة الفاشلة في أفغانستان وفي مصر وفي العراق وفي تونس، خير دليل على ذلك.
الانتخابات المغربية مؤشر واضح على مدى التغيير المنتظر في تونس وفي ليبيا خصوصاً، إذا ما نجحت المساعي الوطنية والمدعومة من الجامعة العربية والقوى الدولية الكبرى في إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني في ليبيا، بعد مخاضٍ سياسي وأمني كبير. كما أن الانتخابات المحلية والبرلمانية المتتالية التي ستجرى في تونس عام 2022 وعام 2023 ستحصل في السياق نفسه، لأن التراجع الهائل في منسوب التأييد الشعبي للحركات «الإخوانية» واضح للعيان.