بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – عززت المحاولة الانقلابية الأخيرة موقع السودان في صدارة أكثر الدول التي وقعت فيها انقلابات عسكرية لإطاحة نظم الحكم القائمة، مدنية كانت أم عسكرية. وهناك مقولة شائعة بين السودانيين تقول: إن تنفيذ عملية انقلابية ناجحة تحتاج إلى الاستيقاظ المبكر من قبل المنفذين، والسيطرة على جسور الخرطوم الثلاثة، ومقري الإذاعة والتلفزيون المتجاورين قبل إذاعة بيانهم الأول.
لكن هذه المحاولة الأخيرة كانت مختلفة في تفاصيلها؛ إذ جرت في وضح النهار بعد شروق الشمس، ومن دون أن تسبقها الموسيقى العسكرية المعتادة في الإذاعة أو التلفزيون، وتفاجأ السودانيون بتحركات المدرعات وهي تناور وتحاول التمركز على مداخل الجسور. وانتهت المحاولة بعد ساعات قليلة من دون أن تعلن بيانها الأول وبرنامجها للحكم.
وربما بسبب الفارق الزمني القصير بين بدء المحاولة الفاشلة وإجهاضها، فقد تعددت التكهنات والاستنتاجات حول حقيقة التحرك العسكري واتجاهاته الفكرية والسياسية وأهدافه ومراميه. وازداد الغموض بعد خطاب قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الذي لمح إلى مفاوضات ناجحة مع العسكريين المتمردين، أسفرت عن اتفاق لإنهاء التمرد، وجنبت البلاد الوقوع في دوامة من العنف والفوضى.
ومما لا شك فيه أن المحاولة الانقلابية لم تشكل مفاجأة لقيادة الجيش الذي كان يتابع التحركات عبر أجهزته الاستخباراتية، ويحاول سبر غوره، ومعرفة عناصره الفاعلة وأهدافه وطرق التواصل معه أو إخماده. لكنه شكل مفاجأة كاملة لطاقم الانتقاليين المدنيين في الحكومة.
ولا شك أن فكرة إطاحة السلطة بالقوة العسكرية تشكل في حد ذاتها كابوساً مرعباً للأفراد الممسكين بزمام الحكومة، فهي قد تعني أشياء كثيرة غير سارة، ومصائر مظلمة.
وهكذا فقد خيمت أجواء عدم الثقة والشكوك بين شركاء الحكم في الساعات التالية لإحباط المحاولة، وفجرت المحاولة مناوشات كلامية وتراشقات بادر بها طاقم التحالف المدني بتوجيه اتهامات للجيش بالتحالف مع الفلول، لإقصائه عن السلطة والحكم. ورد الجيش باتهام الطاقم المدني الحاكم وأحزابه بالتكالب على السلطة والمناصب الحكومية، والعجز عن إدارة شؤون الدولة وتجاهل معاناة الشعب الذي يطحنه الغلاء وتردي الخدمات. لكن الحرب الكلامية لم تستمر طويلاً وأعقبتها تصريحات مغايرة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك.
وسلطت المحاولة الفاشلة الضوء على التمرد الشعبي السلمي في شرق السودان؛ حيث يقوم الزعيم العشائري محمد الأمين ترك بإغلاق الإقليم الذي يضم الميناء الرئيسي للصادرات والواردات، ورفع ترك سقف مطالبه؛ المتمثلة في المظالم التاريخية واحتجاجه على نتائج مفاوضات جوبا، لتشمل إقالة الحكومة الانتقالية، وإلغاء الوثيقة الدستورية، وحل لجنة التمكين. وهو تحرك خطر في حال استمراره لفترة أطول. وربطت قيادات حزبية بين تحركات عشائر الشرق والمحاولة الانقلابية الأخيرة، لكن رئيس المجلس السيادي اعتبر أن ما يحدث في الشرق قضية سياسية ولا علاقة لها بالتمرد العسكري الأخير.