بقلم: د. محمد السعيد إدريس – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – على الرغم من أن الهزيمة الفادحة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية المغربي المحسوب على تيار الإسلام السياسي، وبالتحديد جماعة «الإخوان المسلمين»، لم تكن هزيمة تحكمها دلالات الأرقام فقط، بل هي محكومة أيضاً بالخسائر النوعية التي أصابت هذا الحزب في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، إلا أن سؤال ما بعد الانتخابات يجد في إجابته بعض أصداء الدور المستقبلي لهذا الحزب في الحياة السياسية المغربية، وبالتحديد من باب الحديث عن القوى التي سيناط بها تشكيل المعارضة في المغرب، جنباً إلى جنب مع تشكيل الائتلاف الذي سيحكم البلاد برئاسة زعيم الحزب الفائز بأعلى الأصوات، عزيز أخنوش.
دلالات الأرقام الانتخابية لحزب العدالة والتنمية تقول إنه قد عاد من حيث بدأ، أي عاد إلى سيرته الأولى كأحد أحزاب المعارضة المغمورة. فإذا كان قد حصل في الانتخابات الأخيرة على مجرد 13 مقعداً في البرلمان من إجمالي 395 مقعداً بعد أن كان يتمتع بـ125 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته والذي جرى انتخابه عام 2016، فإن هذا الحزب كان حصل على 12 مقعداً فقط في انتخابات عام 1997. وجاء صعوده للسلطة كنتيجة لتعديل دستوري أمر به الملك محمد السادس من خلال استفتاء جرى في الأول من يوليو/ تموز عام 2011 ما أدى إلى تيسير الطريق لهذا الحزب لحصد 107 مقاعد في الانتخابات التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، مستفيداً من زخم ما يسمى «الربيع العربي».
وهكذا نستطيع أن نقول إن تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم تكاد تكون تكراراً لتجربة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تحول من المعارضة إلى الحكم في الفترة من عام 1998 – 2002، وبعدها وجد نفسه في معارضة الظل، أي المعارضة الهامشية لسوء أدائه السياسي، من وجهة نظر الناخبين.
ربما يكون هذا المشهد أحد السيناريوهات المحتملة لحزب العدالة والتنمية بعد خسارته الانتخابات، ومن هنا تكمن الأزمة التي تتعلق بمستقبل المعارضة، نظراً لأن حزب العدالة والتنمية هو وحده المصنف ضمن المعارضة، في حين تسابقت الأحزاب الأخرى الفائزة في الانتخابات على الدخول في الائتلاف الحكومي، ومن هنا أيضاً يجيء تساؤل عما هي الأحزاب التي ستشكل المعارضة نظراً للمكانة المحورية للمعارضة في نظام الحكم المغربي الذي يرتكز على ثلاث مؤسسات قوية أولاها: المؤسسة الملكية وبالتحديد الملك بصفتيه الدنيوية (السياسية) والدينية (كأمير للمؤمنين)، وهي المؤسسة التي تعد القاسم المشترك لكل المغاربة، أما المؤسسة الثانية فهي الحكومة بأحزابها، وهي من يمارس السلطة وبالتحديد الحكم. وتقوم المعارضة بدور أساسي يؤمّن التوازن في الحكم، وإن كانت لا تعارض النظام بشكل عام، بل تعارض الحكومة وأحزابها، لذلك فإن الاهتمام الذي يحظى به مآل المعارضة بعد الانتخابات الأخيرة لا يقل عن كل ما يتعلق بشؤون تشكيل الائتلاف الحاكم.
فرئيس الحكومة المعين عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي- 102 مقعد في البرلمان) بدأ لقاءاته مع رؤساء الأحزاب الفائزة بأعلى الأصوات، خاصة حزب الأصالة والمعاصرة (وسط – 86 مقعداً)، وحزب الاستقلال (محافظ – 81 مقعداً)، وهو ما كشف عنه، يوم الأربعاء الماضي، بإعلانه الاتفاق مع هذين الحزبين على تشكيل الحكومة الجديدة، وبهذا فإنه يضمن ثقة برلمانية مريحة تصل إلى 269 نائباً من أصل 395 نائباً في البرلمان.
وهذا يعني أن المعارضة المغربية سوف تكون هشة، لأن حزب العدالة والتنمية لم يعد له وزنه الشعبي في ضوء ما أسفرت عنه الانتخابات، لذلك فإن معضلة تشكيل المعارضة الجديدة ستبقى مسيطرة على عملية تشكيل الحكومة.