بقلم: د. عبد المحسن حمادة – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم– الإخوان جماعة دينية متطرفة، ظهرت على مسرح الأحداث قبل مئة عام تقريبا، وجعلت أهم أهدافها إعادة دولة الخلافة التي أسقطتها الثورة العربية، وبالرغم من أن الحكومة التركية الجديدة أعلنت أنها علمانية ومعادية لكل ما هو ديني، كما كانت الأحزاب المصرية تنادي بتأسيس دولة مدنية ديموقراطية محررة من الاحتلال الإنكليزي علمانية لا تفرقة بين الشعب بسبب الدين ورفعوا شعارهم المشهور “الدين لله والوطن للجميع”.
في مثل هذه الظروف ظهرت الجماعة في مدينة الإسماعيلية 1928 بعد سقوط الخلافة بأربع سنوات على يد حسن البنا، وكان شاباً مدرسا للدين والخط في مدرسة ابتدائية وخريج دار العلوم، واستغرب الكثير من سرعة انتشار أفكار البنا بالرغم من إمكاناته المحدودة، ونشأت الجماعة في الإسماعيلية القريبة من معسكر الاحتلال الإنكليزي.
وعزا كثير من المفكرين سرعة انتشار فكرهم إلى الدعم المادي والمعنوي الذي تلقوه من سلطة الاحتلال والقصر، فنادوا أن يصبح الملك فؤاد خليفة للمسلمين بدلا من الخليفة العثماني، ولاقى ذلك قبولاً لدى الملك وزاد دعمهم، أما سلطة الاحتلال فدعمتهم ضد الأحزاب الوطنية التي تطالب بالحرية والاستقلال، وتبنوا مبادئ انتهازية خطيرة، من أبرزها الغاية تبرر الوسيلة، فإذا كان هدفهم تمكين الجماعة من قيادة العالم وتصبح لهم الأستاذية والسيطرة، فلا يهم الوسائل التي ستتخذ لتحقيق ذلك، فخداع الجماهير وتضليلها مقبول لتحقيق الأهداف، وتصفية الخصوم الخطيرين، وشكلوا التنظيم السري لتحقيق ذلك، ومن أبرز اغتيالاتهم في عهد البنا اغتيال القاضي أحمد الخازندار الذي كان يحقق في جرائم ارتكبتها الجماعة ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي.
هذه الجماعة بأهدافها ووسائلها الخطيرة قدر لها البقاء والانتشار كانتشار النار في الهشيم أو الأوبئة، ويعزى ذلك إلى حاجة مخابرات أجنبية لها لتتخذها حصان طروادة يساعدها في العبث بأمن الدول واستقرارها، أو تتخذها حكومة دكتاتورية للقضاء على حركات وطنية.
وسواء سمّت نفسها النهضة، أو الإصلاح، أو العدالة والتنمية، أو الحفاظ على الدستور، لتغطي مساوئها وعيوبها فأهدافها ومبادئها التي وضعها البنا غير قابلة للتغيير، حتى القسم الذي وضعه كشرط لقبول الأفراد الجدد لم يتغير، فالبنا ذو منزلة رفيعة ولا يجوز الخروج على رسالته أو تحريفها، وسرعان ما تظهر عيوبهم جلية عندما يصلون إلى الحكم، وعندئذ تدرك الجماهير أنانيتهم وحبهم للسلطة والحنث بالمواعيد وإقصاء الآخر وعدم ولائهم للوطن وتدفق الأموال من الخارج لدعمهم.
عندئذ تبدأ الجماهير بالثورة عليهم وتطالب بإسقاطهم والخروج عليهم، وحدث مثل ذلك بعد عام من حكمهم لمصر، فكيف ثار عليهم الشعب وطالب بإسقاط حكومة المرشد، أما في تونس فبعد عشر سنوات من حكمهم، ثار الشعب على حكمهم الضال وطالب بالتخلص منهم، ولكنه في الوقت نفسه طالب أن تستمر تونس في ظل الحكم الديموقراطي، ونأمل أن يوفق الله الرئيس التونسي والشعب على تحقيق ذلك.