بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – رغم الطنطنة الدولية، خصوصًا من جانب القوى النووية، حول «عالم خالٍ من السلاح النووي»، اشتركت الولايات المتحدة وبريطانيا عمليًا في تحويل أستراليا لدولة نووية، دون حتى إخطار حلفائهما الدوليين! فدول الاتحاد الأوروبي وكندا بل الدول المحيطة بأستراليا بما فيها اليابان عرفت بالتحالف الجديد عبر الإعلام! فقد اتفقت الدول الثلاث على منح أمريكا غواصات تعمل بالطاقة النووية لأستراليا. وقد أحدث الاتفاق الذي عُرف بالأحرف الأولى للدول الثلاث «أوكاس» زلزالًا عنيفًا من ردود الأفعال أتى أكثرها غضبًا من الصين وفرنسا.
والاتفاق يمثل جزءًا حيويًا من استراتيجية بايدن المعلنة منذ اليوم الأول لتطويق الصين واحتوائها والعودة لما كان قد بدأه أوباما، والذي أطلق عليه وقتها «التركيز على آسيا». فإدارة بايدن سعت، منذ يومها الأول، للانسحاب من حروبها العبثية ليس فقط في أفغانستان والعراق وإنما فى سوريا وليبيا، وتجاهل الشرق الأوسط من أجل التركيز على ما تراه تهديدًا صينيًا عبر التواجد العسكري المكثف في بحر الصين الجنوبي وفي المحيطين الهندي والهادئ. وقد وصف مستشار الأمن القومي البريطاني الاتفاق مع أستراليا بأنه «ربما التعاون الأكثر مغزى.. في أي مكان في العالم في الستين عامًا الأخيرة».
لكن الجديد في كل ذلك هو استعداد الولايات المتحدة لتحويل دول تلك المنطقة لدول نووية، ولأن تضرب عرض الحائط بمعاهدتي عدم الانتشار النووي والحفاظ على منطقة جنوب الهادئ «منطقة خالية من السلاح النووي»، اللتين وقعت أستراليا عليهما. بل صارت أمريكا مستعدة لتجاهل كل حلفائها بالمطلق، إذا لزم الأمر، للوصول لأهدافها الاستراتيجية. ورغم إصرار أمريكا على أن تلك الغواصات «تعمل بالطاقة النووية لا غواصات نووية»، فإنه يسهل تحميل الأسلحة النووية على تلك الغواصات عند اللزوم. أكثر من ذلك، وافقت أستراليا على المزيد من التواجد العسكري الأمريكي في مجالها الجوي. والمفارقة أن الاتفاق جاء قبل أيام قليلة من اجتماع دول الحوار الأمني الرباعي، المعروف اختصارًا باسم الكواد، والذي يضم اليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة، والذي كان قد أجرى أولى مناوراته البحرية العسكرية العام الماضي.
والطبيعي أن يكون رد فعل الصين غاضبًا، كونها المستهدفة من تلك الخطوة، إذ وصفت الاتفاق بأنه «خطير وغير مسؤول». أما الجديد فكان رد الفعل الفرنسي شديد الغضب. فأستراليا بذلك التحالف حنثت باتفاق مع فرنسا بمليارات الدولارات تقدم لها فرنسا بموجبه غواصات تعمل بالطاقة الكهربية. فوزير الخارجية الفرنسي بعد أن وصف الاتفاق بأنه «طعنة في الظهر»، قال إنه يشعر «بالغضب والمرارة»، وأضاف أن إدارة بايدن تماثل إدارة ترامب في تجاهل الحلفاء. أما الاتحاد الأوروبي فقد أعلن عن استراتيجية جديدة مستقلة عن الولايات المتحدة بموجبها تعزز دوله وجودها العسكري في بحر الصين والمحيطين الهادئ والهندي. كما أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا أن بلادها لن تسمح لتلك الغواصات بالإبحار بالمجال البحري النيوزيلندي. باختصار فإن الدلالة الأخطر لذلك الاتفاق أنه مسمار جديد في نعش التحالف الغربي.
ورغم أن الاتفاق يعني تفاقم الحرب «الباردة» بين أمريكا والصين، فمن المستبعد قيام حرب «ساخنة»، هي بالضرورة نووية، بين البلدين، اللهم إلا دون قصد، أو فى حالة ما إذا وصل للحكم في أي من البلدين رئيس أحمق يشعل تلك الحرب عمدًا، فيدمر العالم. والإمبراطورية الأمريكية المتداعية، التي فشلت على مدار عشرين عامًا في القضاء على طالبان، وصارت اليوم بدون حلفائها التقليديين، لن تُقدم على أكثر من تطويق الصين واحتوائها.