بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- بعد أفغانستان يُقبل العالم على تحولات تمس بالتحالفات التي كانت قائمة. استبدال أوستراليا صفقة الغواصات الفرنسية بأخرى أمريكية، وقيام شراكة أمنية جديدة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في مواجهة الصين، من دون التشاور المسبق مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا، زعزعا التحالفات القديمة، وزرعا الشك أكثر بأن نهج “أمريكا أولاً” ليس حكراً على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإنما هو تعبير عن نهج يدخل في صلب إستراتيجية أمريكية، بدأت مع الرئيس السابق باراك أوباما.
مهما سعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إحتواء الضرر، الذي تسبب به إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية، ومهما قدم من تبريرات، لن يخفف من شعور الفرنسيين بأنهم تعرضوا لـ”طعنة في الظهر”، وفق تعبير وزير الخارجية جان-إيف لودريان.
وليست فرنسا وحدها التي تشعر بالصدمة، بل إن الاتحاد الأوروبي عموماً، لا يزال في حالة ذهول من مضي بايدن في إدارة الظهر للأوروبيين وتجاهلهم في قرارات دولية خطيرة. ولم يكد الأوروبيون يخرجون من الشرخ الذي تسبب به التفرد الأمريكي بخطوة الانسحاب من أفغانستان، حتى أتت قضية إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية، والإعلان عن شراكة أمنية جديدة لم يعلم بها الأوروبيون مسبقاً.
في حزيران (يونيو) الماضي، أتى بايدن إلى أوروبا ليعلن خلال اجتماعات مع الاتحاد الأوروبي أن “أمريكا عادت”، إيذاناً بإنتهاء مرحلة “أمريكا أولاً”، وبأن التشاور سيكون سمة تسير عليها الإدارة الجديدة في البيت الأبيض. لكن لم تكد تمضي أسابيع على وعد بايدن، حتى كان القرار الآحادي بالإنسحاب من أفغانستان، من دون التشاور مع الحلفاء، الذين هم جزء أساسي من عملية أفغانستان منذ إنطلاقتها قبل عشرين عاماً.
واليوم، أتت قضية الشراكة الأمنية الجديدة بين أمريكا وبريطانيا وأوستراليا والتخلي عن صفقة الغواصات الفرنسية، لتضيف شرخاً جديداً إلى العلاقات بين ضفتي الأطلسي.
يقول بايدن ومعه رئيسا الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأوسترالي سكوت موريسون، إن الغواصات النووية الأمريكية لأستراليا، تحتمها مقتضيات النزاع المتصاعد مع الصين، كونها تضيف ثقلاً نوعياً إلى الترسانة الأوسترالية وتحدث توازناً مع الحشد الصيني المتنامي في المحيطين الهندي والهادئ. بينما الغواصات الفرنسية التقليدية التي شكت كانبيرا مراراً من بطء في التزام مواعيد التسليم، لم تكن جديرة بكل هذا الانتظار.
فرنسا، لم تصل إلى قرار باستدعاء سفيرها من واشنطن للتشاور، حتى في ذروة التوتر بين الجانبين الذي رافق قرار الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو. بوش بالذهاب إلى الحرب في العراق عام 2003 والمعارضة القوية التي أبداها الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك لهذا القرار.
وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على عمق الشرخ الحاصل بين واشنطن وباريس. وهذا ما حمل لودريان على التساؤل عن فائدة حلف شمال الأطلسي بعد اليوم.
ماذا يقصد الوزير الفرنسي بهذا الكلام الذي لا يزال لغزاً، وهل تتكرر مسألة خروج باريس من الدائرة العسكرية للحلف، على غرار ما فعل شارل ديغول في الستينات بسبب التوتر مع الولايات المتحدة؟
وإذا كان من المبكر التكهن بمآلات العلاقة الفرنسية – الأمريكية من الآن فصاعداً، فإن من السهولة الوصول إلى استنتاج مفاده، إن العلاقة ستظل تعاني على المدى المنظور من آثار أفغانستان ومن آثار إلغاء صفقة الغواصات، التي كانت تعتبرها باريس بمثابة “عقد القرن”، نظراً إلى أن قيمة الصفقة تبلغ 65 مليار دولار.
الأوروبيون لم يعد من السهل إقناعهم بأن بايدن غير ترامب. وهناك ميل يتنامى لدى الأوروبيين منذ “لحظة أفغانستان”، بأن ثمة ضرورة لتفكير جدي في تطوير قوة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن أصوات تنادي بـ”الإستقلال الذاتي الإستراتيجي” عن الولايات المتحدة. هذا اتجاه سيجد سنداً له في القرارات الآحادية التي تتخذها أمريكا في ذروة نزاعها مع الصين.