بقلم: وليد فارس – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- بعد صدمة الخروج من أفغانستان، واستمرار الغضب الشعبي في أميركا لما تقوم به حركة “طالبان” من قتل، واعتقال، وتعذيب، وازدياد القلق الأوروبي من هذه الممارسات بعد بضعة أسابيع فقط من الاستيلاء على السلطة في كابول، بعد كل ذلك، وتعمق الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة حول النكبة التي ضربت “الحرب على الإرهاب”، بدأ طرح سؤال بديهي، ولكن أساسي يبرز في واشنطن: ما العمل الآن؟
جواب الإدارة
إدارة الرئيس جو بايدن، كما لمحنا في مقال سابق، لها أولوية إعلامية، وأخرى سياسية، إعلامياً، يطمح البيت الأبيض أن يتخلص من “رواية الانسحاب” من أفغانستان بأسرع وقت ممكن، كي لا تؤثر على شعبية الرئيس كثيراً، والبلاد على مسافة بضعة أشهر من سنة الانتخابات التشريعية في 2022، لذا، فإن إنهاء الملف الأفغاني عامة و”الطالباني” خاصة، أولوية لفريق بايدن، فالفيديوهات والصور والتقارير الخارجة من كابول والمدن الأفغانية عبر السوشيال ميديا والفضائيات، وما تضمنته من بشاعات تقترفها “طالبان” بحق الناس، بدأت تخلق جوّ اشمئزاز متصاعد ببن الأميركيين، تستفيد منه المعارضة الجمهورية، إلا أن مشكلة بايدن أن مصدر أزمته ليست في الصحافة الأميركية التي تدعمه بأكثريتها، بل تكمن بطريقة البطش اللاإنساني الذي تمارسه “طالبان”، وواشنطن غير قادرة على إيقافه، وبتسريبات الأفغان عبر الإنترنت، ولا أحد بإمكانه إيقافه. من هنا، فالضرر بصورة إدارة بايدن مستمر، إلا إذا ساعده أصدقاء على وضع حد لتصرف “طالبان”.
والقوتان الوحيدتان القادرتان نسبياً على وضع ضغط على “طالبان” لكي تمتنع عن القمع الدموي، وبخاصة التعذيب في العلن، وإلغاء حقوق الإنسان وحقوق المرأة، هما قطر وباكستان، فالدوحة كانت ملجأ قيادات الحركة لـ20 سنة، وإسلام آباد غطت على قوى “طالبان” اللاجئة إليها بعد 2001، لعقدين، ولكن لضغط الدولتين على “الإمارة” حدود، فالعارفون في شؤون القوى “الإسلاموية”، ولا سيما التكفيرية، يدركون أن سباقاً حامياً يدور بين هذه القوى على من بإمكانه أن يقود القواعد “الجهادية” بعزم أكبر. لذا، فالحركة غير قادرة على إيقاف فرض نظامها بالقوة القامعة الدموية، لأن قوى أخرى قد تنهش وجودها إذا توقفت.
لذا، فالمتوقع العملي أن شركاء بايدن في الدوحة وإسلام آباد لن يتمكنوا من لجم “طالبان” والمجموعات التكفيرية كـ”القاعدة”، و”حقاني”، و”داعش – خراسان”، بشكل كامل، وهذا يعني بدوره أن إدارة بايدن لن تحصل من الحركة ما يبرر لها انسحابها وتسليمها أفغانستان لهم، أمام الأميركيين.
خيار المقاومة
هكذا، سيناريو قد يفتح الباب أمام كثيرين من أصحاب الرأي في أميركا، بالتالي في الغرب، أن يدعموا خياراً آخر ليوقفوا الإرهاب الجديد القديم في أفغانستان، وهو خيار دعم مقاومة قومية وشعبية شاملة ضد نظام “طالبان”، حتى الوصول إلى حل عادل ودائم للأزمة، وحتمية خيار كهذا ستأتي من واقعين، الأول أن الحركة نفسها لن تتوقف عن ممارساتها، والواقع الثاني هو أن قطاعات واسعة من الشعب الأفغاني لن تقبل بهذه الممارسات، وستقاوم الميليشيات، وهو أمر لا يمكن إيقافه، فإذا كان خيار التدخل الدولي غير وارد بعد الانسحاب الأطلسي، فخيار الدعم الدولي لمعارضة الشعب الأفغاني لـ”طالبان” قد يكون الخيار الوحيد.
النواة المدنية للخيار
داخل البلاد، نرى بوضوح أن هناك معارضتين مختلفتين للحركة، والتنظيمات التكفيرية، الأولى هي حركة شعبية سلمية في كابول ومدن أفغانية عدة، تتجسد بحركة نسوية مدنية ومجموعات المجتمع المدني، ولا سيما عبر الإنترنت، هذه التظاهرات، التي تكثفت مع النساء والشباب، تطالب بالحريات وحقوق المرأة في العمل، والحرية المجتمعية، وقد اصطدمت المسيرات بمسلحي “طالبان”، وظهر عنف في الإنترنت والفضائيات، هكذا تحركات لم تردع الحركة التي استمرت بضرب النساء، واعتقال الشباب وتعذيبهم، وقتل المعارضين واغتيال المسؤولين السابقين. الصور والفيديوهات التي تسجل هذا العنف بات لها تأثير في الغرب وفي أميركا على نفوس الناس، بما فيها قاعدتا الديمقراطيين والجمهوريين، وعلى أعضاء في الكونغرس، ولكن ليس بعد على الإدارة، التي لا تريد تغيير المسار، ما دفع بالأطراف التي تقدم المشورة للحركة في المنطقة والغرب لمحاولة إقناعهم ألا تبيّن عن صورة عنيفة ضد التظاهرات، لأن ذلك يؤذي “قضية تشريع طالبان دولياً”، وبالفعل، سيكون من الصعب أن يؤيد الرأي العام الأميركي، والغربي، والدولي، حكومة “طالبانية” تضرب النساء وتعذّب الناس على المكشوف، ولكن هناك بُعداً آخر للمعارضة سيكون له تأثير آخر.
خيار المقاومة العسكرية
منذ اجتياح المدن الأفغانية، تجمعت عناصر مقاومة وأعضاء سابقون في الجيش الأفغاني، في وديان منطقة “بنجشير”، شمال شرقي العاصمة، وسيطروا على رقعة أرض جبلية “محررة من طالبان”، قائدهم الذي طرح الصوت هو أحمد شاه، إبن مسعود شاه قائد المقاومة الأفغانية ضد السوفيات وبعدهم ضد “طالبان”، الذي اغتالته “القاعدة” قبل يومين من عمليات 11 سبتمبر (أيلول)، وإلى جانب أحمد شاه، يقف نائب الرئيس السابق، عمرالله صالح، الذي أعلن عن نفسه رئيساً انتقالياً، ورئيس البرلمان مير رحمان رحماني، ونواب ووزراء وعدد من الضباط. رقعة المقاومة الأفغانية صغيرة على سفوح الوديان، ولكن شرعيتها تفوق بأضعاف السلطة الميليشياوية التي تغطي نفسها بورقة غير شرعية صنعت في الدوحة.
لحركة “طالبان” جيش جرار، وأسلحة أميركية، وحلفاء إقليميون أقوياء، وأقوى وأغنى لوبيات واشنطن، ولكنّ للمقاومة دعماً شعبياً سيتصاعد، وعطف رأي عام دولي سيتوسع مع الوقت، الميليشيات “الإسلاموية” اقتحمت السهول وأسفل الوديان، وأحرقت مراكز البلديات والجامعات، ودمرت المدافن والنقاط الأثرية، لكنها دخلت أتون حرب مع مقاومة قومية وشعبية تمتد في طول وعرض أفغانستان، ولن تنتهي هذه المواجهة بسرعة، ولن تنتهي كما تشتهيه قوى التطرف، حتى ولو تقدمت أولاً.
الدعم الخارجي
المؤيدون للحرية والاعتدال في العالم لهم مصلحة وجودية في دعم المقاومة الأفغانية بشقيها المدني والميداني. فالمحدلة التي أوصلت “طالبان” إلى كابول، ستصل بهم إلى عواصم العالم العربي والإسلامي، وإلى ما بعده في الغرب والشرق. المجتمع الدولي سيستهدف إذا تم إسكات المجتمع المدني في أفغانستان. المعادلة واضحة: ساعدوا المقاومة الأفغانية الآن، أم واجهوا التطرف على أرضهم بعد. ليست هناك خيارات كثيرة، إما أن يدعموا هذه المقاومة الصغيرة المرابضة في أعالي القمم، كما دعموها في الماضي، بانتظار ظروف دولية أفضل، وإما أن يتخلوا عنها وعن المعارضة المدنية، فيعيد التاريخ نفسه.
هل ستدعم إدارة بايدن هذه المقاومة الآن؟ أستبعد ذلك. هل ستبدل واشنطن سياستها لاحقاً؟ ممكن جداً. هل ستنجح المقاومة المعارضة أن تستمر؟ ممكن إلى حد ما، ولكنها ستتحول إلى لاعب حقيقي، إذا دعمتها الدول والمجتمعات، التي أدركت قياداتها أنه لا بديل عن هذا الخيار الصعب.