بقلم: جورج شاهين – صحيفة “الجمهورية” اللبنانية
الشرق اليوم – أيا كان حجم الثقة التي ستنالها حكومة ميقاتي – عون لن يتوقف عندها أحد. فالمسألة مسالة أرقام جمعت بين أهل البيت، والأهم سيكون في ما بعدها، فالى الأولويات المعلنة سيواجه الرئيس الجديد للحكومة تركة سلفه من المراسيم والموافقات الاستثنائية التي تعدت المئتين بقليل، في ظل التشكيك بقانونيتها ودستورية بعضها. وعليه بنيت الكثير من السيناريوهات حول مصيرها قياسا على تجربتي ميقاتي الـ 2011 – 2013 ودياب 2020 – 2021؟
بعد أيام قليلة سينشغل الصحافيون في ملاحقة مضمون جداول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء التي يتسابقون للحصول عليها في مرحلة يقال إن جلساتها ستكون مرتين في الأسبوع من أجل استكشاف المرحلة المقبلة وكيفية التعاطي مع الملفات الاقتصادية والإنمائية والخدماتية التي افتقدها الصحافيون قبل اللبنانيين على مدى أكثر من ثلاثة عشر شهرا. وعليه سيكون علينا أن نبحث عن مضمون عشرات المراسيم والموافقات الاستثنائية التي خلفتها حكومة دياب لتسوية أوضاع إدارية ومالية قالت بها وفرضتها مسبقا على الحكومة الجديدة. بعدما غابت صور جامعة لمجلس الوزراء في ظل التقنين الذي مارسه الرئيس السابق للحكومة الدكتور حسان دياب بالتزامه الحد ما دون الأدنى من أصول “تصريف الأعمال” وعدم الدعوة إلى أي جلسة أيا كانت الظروف التي رافقت الحاجة إلى مثل هذه الخطوة.
فقد عبرت البلاد أكثر من استحقاق كبير كان من المفترض برأي البعض ولا سيما رئيس الجمهورية لجمع مجلس الوزراء للبت بالكثير من القضايا الطارئة، وقد اصطدم برفض مطلق من دياب القيام بواجب الدعوة إليها فهي مهمة من صلب صلاحياته الدستورية الآحادية التي لا يشاركه فيها أحد. فالأصول الدستورية قالت أكثر من مرة بأن رئيس الجمهورية لا يمكنه الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء وهو “يحضر الجلسة فيرأسها”.
ولذلك ربط المراقبون بين إصرار دياب على رأيه في هذا الموضوع، ولجوء رئيس الجمهورية إلى الإسراف في الدعوات إلى اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع والاجتماعات المتخصصة الأمنية منها والاقتصادية – المالية والتربوية والصحية قياسا على حجم الظروف التي املتها عدا عما يترتب عليها من التزامات قانونية ودستورية. وهو ما عده البعض مخالفة دستورية إلى درجة قيل أن ليس هناك من مصلحة لرئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة طالما أنه قادر على مواجهة كل الاستحقاقات وإدارة شؤون الدولة منفردا بالطريقة التي قادت في شكلها ومضمونها إلى الكثير من التشكيك مما اتخذ من قرارات تنفيذية إلزامية. ولا ينسى أحد ما بلغته اتهامات “نادي رؤساء الحكومات السابقين” الذين رأوا في ما حصل تجاوزا لحد السلطة وخروجا على الدستور، لما شكلته من تجاهل لدور مجلس الوزراء ورئيسه الذي تغيب عن البعض منها ومعه وزراء آخرين كانوا من المعنيين بما حصل.
ولمن خانته الذاكرة، لا يمكن تجاهل النقاش الحامي الذي نشأ تحت عنوان “حرب الصلاحيات” بين بعبدا والسرايا حول واجب الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء من عدمه. ولا ينسى ما رافق ذلك من جدل دستوري عندما قال مستشارو بعبدا إن من واجب دياب الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء فردت السرايا باستحالة الخطوة عملا بالدستور ومقتضيات تصريف الأعمال بالضيق منها. وإن طال النقاش والجدل قيل أكثر من مرة بأن حكومة الرئيس ميقاتي (2011 – 2013) عقدت أكثر من جلسة بعد استقالتها وأجرت انتخابات فرعية نيابية وبلدية واختيارية ووجهت الدعوة إلى انتخابات نيابية قبل تأجيلها كما شكلت مجالس وهيئات ادارية، وفتحت دورة التراخيص النفطية.
ولا ينسى أحد ممن واكبوا تلك المرحلة أن جواب دياب وفريقه كان مقتضبا وواضحا ومفاده “إن خالف الرئيس ميقاتي يومها الدستور وخرج عما قال به مبدأ تصريف الاعمال فان حسان دياب ليس على استعداد لتحمل مثل هذه التهمة يوما”. وهو ما فرض أمرا واقعا جديدا توسعت فيه الإجراءات الإدارية والمالية إلى أن تم اللجوء إلى المراسيم الجوالة والموافقات الاستثنائية التي تجاوز عدد ما صدر منها في الأشهر الثلاثة عشرة الماضية إلى ما يزيد على مئتي مرسوم وموافقة ما عدا تلك التي لم تحظى بالموافقة النهائية الشاملة. وهي المراسيم والموافقات التي سمحت بإدارة شؤون المؤسسات إلى درجة فضفاضة ستسمح عند التمحيص في البعض منها بإمكان تعطيلها وإنهاء مفاعيلها وربما هناك من يدعو إلى مقاضاة من أصدر بعضا منها لمخالفتها الأصول الإدارية والمالية البديهية على خلفية ما شكلته من أعراف وسوابق لم يسبقهم إليها أحد. ولا ينسى هؤلاء أن بعضا من هذه المراسيم والموافقات سيفرض على حكومة ميقاتي القبول طوعا بما رسم لها سلفا. ومنها ما هو عاجل عند البحث بموازنة العام 2021 – 2022 ستضطر الحكومة إلى احتساب مبالغ كبيرة سحبت سلفا منها لتمويل برامج الدعم، كدين على الدولة من مصرف لبنان وستقتطع له وتعاد منها وهو أمر غير مسبوق في الموازنات السابقة.
ولتعذر البحث في الكثير من هذه المراسيم والموافقات لا بد من التوقف عند بعضها ولعل أهمها مما لا يجب نسيانه على الإطلاق، فإن تعديل المرسوم 6433 الخاص بتأكيد حق لبنان بمنطقة إضافية من المنطقة الاقتصادية الخالصة وإلغاء الخط 23 لصالح الخط 29 واجب الوجوب. فالإجراءات التي اعتمدت وانتهت إلى تجميده في قصر بعبدا مرده إلى فقدان مجلس الوزراء الذي له الحق وحده بالتعديل والبت به وهو ما بات متوفرا اليوم بعد تشكيل الحكومة الجديدة. وعدا عن ذلك فإن إحدى وسائل مواجهة الاعتداء الإسرائيلي الجديد بالإعلان عن تلزيم شركة “هاليبرتون” الأميركية للتنقيب شمال حقل كاريش عن النفط في تلك المنطقة يستدعي وضعه من بين أولويات القضايا التي على مجلس الوزراء البت بها لئلا تبقى مجمل المواقف الرافضة والمراجعات أمام مجلس الأمن الدولي لتعطيل الخطة الإسرائيلية بلا معنى. فما قامت به إسرائيل حتى اللحظة هو شرعي وما زال من ضمن مياهها الخاصة وفي منطقة لا يمكن اعتبارها متنازع عليها ومعها الأمم المتحدة أيضا ما لم يكمل لبنان خطواته الالزامية بتعديل المرسوم وتسليم نسخة منه إلى الأمم المتحدة بأسرع وقت ممكن.
وختاما، وبانتظار أن تباشر الحكومة أعمالها ستظهر كيفية مقاربة هذه المراسيم والموافقات النهائية ورب قائل إن جداول أعمال مجلس الوزراء ستتناولها بالعشرات في الفترة القريبة فلنترقب ما يمكن أن تقوم به الحكومة قبل الحديث عن ملف خلافي جديد يحمل اسم “أزمة المراسيم السابقة” كأزمة قائمة بحد ذاتها ترفع عدد الأزمات الخلافية القائمة بين أهل الحكم والحكومة.