الرئيسية / مقالات رأي / المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر: خلافات مزمنة

المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر: خلافات مزمنة

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي

الشرق اليوم- ليست المرة الأولى التي تعلق فيها الإدارة الأمريكية جزءاً من المساعدات العسكرية لمصر بدعوى وجود خلافات تتعلق بملف حقوق الإنسان، الأمر يكاد يتكرر كل فترة، وفي كل مرة تنتصر وجهة النظر المصرية، ولذلك لم تكن هناك ردود فعل تعكس قلقاً مصرياً من القرار الأخير تعليق مبلغ 130 مليون دولار من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، رهناً باتخاذ خطوات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، فيما وافقت في الوقت نفسه على منح مصر 170 مليون دولار من المساعدات، من شريحة قيمتها 300 مليون دولار. لكن الإدارة الأمريكية أكدت أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن سيمضي قدماً في الموافقة على تقديم 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية إذا عالجت الحكومة المصرية بشكل حازم أوضاعاً محددة تتعلق بحقوق الإنسان بعدما أشار إلى أن “مصر شريك مهم للولايات المتحدة، لا سيما في ما يتعلق بالأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب”.

من الواضح أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يسعى جدياً الى تطوير جيش بلاده وتقويته وتحديثه، إلى درجة يبدو فيها وكأنه في سباق أو منافسة تحفزه على ضرورة القفز بترتيب الجيش بين الجيوش الكبرى في العالم. وكأن السيسي تخطى مرحلة الحماسة الوطنية إلى الاقتناع الكامل بأن بقاء مصر وحفاظها على حدودها وأرضها وتماسك شعبها وسط الأمواج المتلاطمة للأحداث من حوله وأضرار شظايا الربيع العربي، التي أطاحت دولاً وقسمت أخرى وأسقطت جيوشاً ودولاً، مرهونة بالوصول بالجيش إلى مرحلة تمنع دولاً وجهات وتنظيمات من مجرد التفكير في مواجهته. قد يسأل البعض كيف ذلك والأمر يحتاج إلى كلفة ونفقات وأموال، والبلد يعاني اقتصاداً مريضاً بفعل فساد استمر عقوداً، وركوداً بفعل ما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، واهتراء تأثراً بحكم جماعة “الإخوان المسلمين” للبلد لسنة كاملة؟

تبدو الإجابة واضحة في رد فعل الشارع في مصر على خطوات تطوير الجيش وتحديثه وتقويته، وكلها إيجابية. دعك هنا بالطبع من ردود فعل “الإخوان” والقوى المتحالفة معهم، والفصائيات والصحف الموالية للجماعة والدول المتعاطفة معها، فكل ذلك إيجابي في مصر، وبالنسبة الى كل هؤلاء حدث سلبي يحطم الأمل لديهم في عودة الجماعة إلى المشهد السياسي. برنامج السيسي في تنويع مصادر تسليح الجيش المصري مُعلن ومعروف للجميع، ولا أسرار فيه، ويبدو الرجل وكأنه أراد تفادي سلبيات تجربتي عبدالناصر مع الاتحاد السوفياتي والسادات مع الأمريكيين من دون أن يخسر روسيا والولايات المتحدة.

مؤكد أن بعض تفاصيل برنامج تسليح الجيش غير معلنة، لكن أهم الصفقات المعلنة التي وقعتها مصر منذ ثورة 30 حزيران (يونيو) من العام 2013 كانت مع الجانب الفرنسي، إذ وقعت مصر وفرنسا في تشرين الأول (أكتوبر) الجاري عقد شراء حاملتي طائرات مروحية من طراز “ميسترال” لتمتلك مصر للمرة الأولى حاملات طائرات. و 24 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” وفرقاطتين بحريتين مقاتلتين من طراز “فريم”. أما التسليح الروسي فتجدر الإشارة إلى أن غالبية صفقات السلاح المصرية – الروسية غير معلنة، لكن شركات سلاح روسية قالت إن البلدين وقعا عقداً لتوريد 12 مقاتلة من الجيل الرابع من المقاتلة الجوية الحديثة “سو 30 كا” من عائلة “سوخوي” إضافة إلى أنظمة دفاع جوي وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات وأخرى مضادة للسفن، ناهيك بغواصات ألمانية.

وكانت واشنطن علقت جزءاً من المساعدات العسكرية المقدمة إلى القاهرة، التي تقدر بـ 1.3 بليون دولار، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2013 رداً على عزل  محمد مرسي، لكن التعليق انتهى تدريجياً. وفي نيسان (أبريل) من العام 2014 أعلنت واشنطن إنهاء تعليق تسليم مصر طائرات أباتشي الهجومية، وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام 2014 تسلمت مصر 10 طائرات أباتشي. في آذار (مارس) 2015 أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إنهاء تعليق المساعدات العسكرية لمصر، وفي آب (أغسطس) الماضي تسلمت القاهرة 8 طائرات من طراز “أف 16 بلوك 52” ضمن المعونة العسكرية المقدمة إلى مصر. وبعدها تسلمت مصر 5 أبراج لدبابات “أبرامز أم 1 إيه 1″، التي تُنتج بتعاون مصري – أمريكي مشترك في مصنع عند أطراف القاهرة، وبعدها تسلمت القاهرة 14 برجاً إضافياً للدبابات.

ليس سراً أن مسألة الصفقات العسكرية تتأثر بالأوضاع والعلاقات السياسية، كما أن فيها قدراً غير قليل من الحساسية، ورغم أن الخلفات بين القاهرة وواشنطن حول ملف حقوق الإنسان يبدو وكأنه خلاف مزمن، لكن يحسب للسيسي تمكنه من تجاوز المشاكل مع واشنطن ونجاحه دائماً في تأمين ما كان متفقاً عليه، وفي الوقت نفسه امتص غضب الأمريكيين عندما اتجه نحو روسيا وفرنسا، ومؤكد أن الجيش المصري يستخدم قدراً من عتاده وأجهزته في حربه الضروس ضد الإرهاب في سيناء، لكن دراسة أنواع وطبيعة الأسلحة التي يتعاقد عليها الجيش المصري تكشف عزم القيادة المصرية وإصرارها على أن تتجاوز قدرات الجيش مواجهة الإرهاب في الشرق أو الغرب من الحدود والوصول به ليكون جزءاً من قوة إقليمية كبرى. المغزى هنا أن المصريين أدركوا تماماً بعد الربيع العربي أن جيشهم حفظ دولتهم  وأن المساعدات الأمريكية العسكرية مجرد نقطة في بحر ووقفها لا يمثل ضرراً كبيراً على إمكانات الجيش وتسليحه وأن الإنفاق على الجيش لا يعد إسرافاً وصرفاً في غير محله، وأن مخاطر المستقبل تجعلهم يضعون تقوية الجيش في مقدم أولوياتهم تماماً كما رغيف الخبز.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …