بقلم: هاني مسهور – سكاي نيوز
الشرق اليوم- كانت فكرة ساذجة تلك التي راجت مع ظهور وباء كورونا، بأن دخول فصل الصيف سيتكفل بالقضاء على الفيروس، فدرجة حرارة الشمس يمكنها أن تقضي على الوباء، كانت فكرة ساذجة لم يتقبلها عقل ولم يستطع أحد ما إقناع الناس بها، فظلت مجرد فكاهة يتندر بها، وهي تشابه لحد كبير أفكارا ليست منطقية ولا يمكن قبولها.
عشرون عاماً وتريليونا دولار أنفقتها الولايات المتحدة في أفغانستان تحت شعار الحرية وزراعة الديمقراطية رداً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، هذه حقائق وليست استنتاجات، والحقيقة الكاملة أن أميركا غادرت وتركت الأفغان كما هم في القرون الوسطى، لا يمكن اجتياز اللحظة التاريخية دونما أخذ العبرة منها، فهي لحظة طويلة جداً وقاسية للغاية.
آن للشرق الأوسط أن يقرر وضع حد للحروب والصراعات وللمواريث الرثة من الاستخفاف العقلي. فبضغائن التاريخ لن تنجح الدول، والتجارب السياسية التي ارتبطت بالأيديولوجيات الدينية أنتجت نماذج مأساوية، فنواة الفكرة الخطأ لن تحصد غير الخطايا والكوارث. أضاعت هذه المنطقة الباعثة للحضارات الإنسانية كثيراً من الزمن واستهلكت من طاقاتها، وأهدرت مواردها في ما لا يمكن القبول بعد بتكراره.
قرون مرت على الشرق الأوسط وهو خاضع لأؤلئك الذين ما زالوا في أزمنتهم الأولى يتخذون من تأويلاتهم للأديان مواد لبقائهم واستمراريتهم باجترارهم خطابات الكراهية والإلغاء للآخر، فتلك مواد تراثية تستجلب من آبار جفت قيعانها، ومع ذلك فهم يستجلبون كل مرة ما يبقي على الصراعات والحروب لشعوب المنطقة.
يعرف دعاة الكراهية كيف يمنكهم ممارسة ابتزاز العقول، هذه مهمة وظيفية معقدة لارتباطها بسيكلوجية النفس البشرية التي يمكن إخضاعها عبر موجات متتابعة من الترهيب النفسي ليمكن تطويعها وتوظيفها للسياسات، في عام 1979 تحديداً وعلى رأس القرن الهجري الرابع عشر ظهرت فتنة العمائم بين مهدي في السرداب ومهدي يحتل البيت المحرم، ادعاءات لم تكن لتكون لولا استفراد فريق بأنهم يمتلكون الحق وغيرهم الضالون.
الإيديولوجيات المتشددة بكل ما تحتمل خاطئة وثبت خطؤها، ولم يعد هناك ما يستدعي تكرار تجاربها أو منحها فرصاً مجددة، فكما أخفقت التجربة الخومينية أخفقت “الصحوة”، فكلاهما طرفا معادلة واحدة لنتيجة واحدة، منح صكوك الجنة للاتباع والموالين، وهي رهن العقل البشري للخرافة، والفصائل وجدت لحماية العمائم وتحصينهم من المحاسبة.
لا يمكن لكل هذا الاحتراق أن ينتهي بغير اعتماد العقل كمنهج تفكير أرشد الأنبياء، وهم يتفكرون في ملكوت الله. وتخويف الناس وإرهابهم من مصطلح العلمانية واعتباره كفراً يظل رأس حربة خطاب قديم آن الآوان لكسره عبر أدوات عصرية وقيم عقلية، تقوم على العلم وتستند عليه، فحائط العلم قوي وقادر على أن يتحمل صراخ فريق احتكر الدين كوظيفة يقتات منها، ولو أوجد مسوغات النحر بالسكاكين.
علّمنة الشرق الأوسط هي المخرج الأوحد، فلا داعي لانتظار أن تقوم “طالبان” بملاحقة عناصر “القاعدة” أو “داعش” أو أن تقوم فصائل “الحشد” بملاحقة عناصر “حزب الله”، هذه دائرة مغلقة من الصراعات تعيش على الكراهية، ولن تخرج منها بغير قرار سياسي قاطع يعتمد تغيير الشرق الأوسط.
تعيش المنطقة مرحلياً بداية عصر الحوكمة، وهي ذراع من أذرع الدولة المدنية بقوانينها فسيادة القانون هي التعريف الحقيقي للعلمانية، وليست تلك الجنايات والفريات التي تعتمدها التيارات المؤدلجة. هذه منهجية انطلقت وبدأت تؤتي أُكلها بسقوط أقنعة الفاسدين، وهم ضمن منظومة متشابكة مع منظومات الجماعات الدينية. علمانية الشرق الأوسط هي السبيل الأوحد الذي يمكنه إيقاف نزيف الزمن والطاقات والثروات، ومسؤولية النخبة السياسية المعاصرة تكمن في العلّمنة وحوكمة الحياة المدنية بقوانين توقف هدر الزمن.