بقلم: ستيفاني راضي
الشرق اليوم- مع وصول الشحنة الأولى من النفط الإيراني إلى لبنان الخميس الماضي، طفت على السطح العديد من التساؤلات حول صمت واشنطن تجاه الخطوة، لا سيما أنها لطالما أشهرت سلاح العقوبات ضد طهران وذراعها في لبنان “حزب الله”.
ونفّذ أمين عام جماعة “حزب الله” حسن نصرالله، وعده باستقدام المازوت الإيراني إلى لبنان، وسط أزمة محروقات حادة تعيشها البلاد.
ووصلت السفينة الأولى من إيران إلى مرفأ بانياس السوري، وتم تفريغ حمولتها فيه، ثمّ نُقلت المواد النفطية، الخميس الماضي، إلى منطقة بعلبك (شرق لبنان) لتخزينها، وتوزيعها لاحقاً على الفئات المستهدفة.
وتوزع المواد وفق قسمين، الأول كهبات، للمستشفيات الحكومية، ودور المسنين، ودور ذوي الاحتياجات الخاصة، ومؤسسات المياه، والبلديات، وأفواج الإطفاء الرسمي والصليب الأحمر.
أما الثاني، فيتم بيعه بالليرة اللبنانية، وفق جدول أسعار وزارة الطاقة اللبنانية، إلى المستشفيات الخاصة والمطاحن ومعامل الأمصال، والاستهلاكيات والتعاونيات الغذائية لتأمين الكهرباء، ومعامل الصناعات الغذائية، والمعامل الزراعية التي لديها مولدات.
ويعاني لبنان، منذ أشهر شحاً شديداً في المحروقات ما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي وأزمة في قطاعات حيوية عدة.
ومع وصول الحمولة الأولى، انقسم الرأي العام اللبناني، بين مؤيد ومعارض، كما تباينت الآراء حول غض واشنطن الطرف عن تلك الشحنات، ما اعتبره البعض نوع من التسهيل لدخولها.
دلالات إدخال المازوت الايراني
المحلل السياسي اللبناني سركيس أبو زيد يقول: إن “خطوة حزب الله تحمل دلالات عدة، فهي خرقت قانون العقوبات الأمريكي، والحظر المفروض على سوريا ولبنان من جهة، ومن جهة أخرى، فبمجرد وصول المحروقات للبلاد، تم كسر احتكار الشركات التي تتاجر في المازوت”.
ويعتبر في حديثه أن لهذه الخطوة دلالة سياسية أكثر منها اقتصادية.
كلام أبو زيد يتوافق مع كلام المحلل السياسي قاسم قصير، الذي يرى أن “إدخال المازوت الايراني من سوريا كسر الحصار الأمريكي على لبنان وشكّل حافزاً للأمريكيين وللدول الأخرى للإسراع بحل الأزمة اللبنانية”.
ويشير الى أن “الفراغ في لبنان يجب أن يملأه أحد، ففي حال قصرت الدولة اللبنانية والدول الخارجية لم تساعد، ستظهر حتماً جهة تسد هذا الفراغ”.
بالمقابل، يقول المحامي والمحلل السياسي جوي لحود: إنه “لا حصار أمريكي على لبنان، إنما هناك حصار على حزب الله الذي هو يحاصر لبنان”.
ويبرّر فكرته، بالقول: “لو كان هناك حصار على لبنان، لما كنا رأينا المساعدات المالية الهائلة المقدمة للجيش اللبناني وللجمعيات غير الحكومية وللمجتمع اللبناني”.
ويطرح أسئلة عدة حول دخول الصهاريج للأراضي اللبنانية: “كيف دخلت؟ هل تم فحص نوعية المواد النفطية التي تحملها وإن كانت تتناسب مع المعايير المعتمدة في لبنان؟ هل تمّ دفع الرسوم التي تتوجب عليها؟”.
وكان إعلام محلي لبناني ذكر أن الشاحنات قد دخلت عبر معابر غير شرعية موجودة بين الحدود اللبنانية والسورية.
ويعتبر لحود أن “هذه المشهدية مضرة جدا للدولة اللبنانية ومضرة لموضوع السيادة في البلاد”.
عقوبات على لبنان؟
وتحدث قصير عن طريقة إدخال المازوت الايراني الى لبنان، مشيراً إلى أن “لم يتم اعتماد مؤسسة رسمية لبنانية لإدخال المواد النفطية، أي أنها لم تدخل عبر المرافئ اللبنانية ولا عبر الشركات اللبنانية، وأن الشركة الوحيدة التي تتولى توزيعها هي شركة “الأمانة” وهي أساسا تحت العقوبات الأمريكية”.
ورغم ذلك، وفق قصير، فإن الموقف الأمريكي كان هادئاً ولم يكن سلبيا بالمطلق.
وفي عام 2019، وضعت واشنطن شركة “الأمانة” على لائحة الإرهاب، وفرضت عليها عقوبات.
ودائماً ما تفرض الولايات المتحدة عقوبات على أشخاص أو شركات موالية لحزب الله وحلفائه، كما أنه بموجب “قانون قيصر” الأمريكي بات أي شخص أو كيان يتعامل مع النظام السوري معرضا للقيود على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.
ومؤخرا، قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيث ميقاتي، في مقابلة على قناة “سي إن إن” الأمريكية: إنه “ليس خائفاً من عقوبات على لبنان لأن العملية تمت في معزل عن الحكومة”.
تسهيل أمريكي
ويوضح أبو زيد أن “هناك موازين قوى جديدة في المنطقة”، لافتا إلى أن “أمريكا تتكيف مع الوقائع الجديدة لترسم خطة جديدة لها، ليست واضحة حتى الآن”.
ويؤكد أن “أمريكا لا تريد الذهاب لمواجهة عسكرية في المنطقة، لذا تقوم اليوم بأداء مختلف عن السابق، فهي تعدّل بأسلوبها، والدليل على ذلك موافقتها على خط النفط العربي، وتأمين غطاء للوفد اللبناني الذي زار سوريا، وغض النظر عن المازوت من إيران”.
وفي مطلع أغسطس/آب، حل وفد لبناني بدمشق، في زيارة تعد الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، ضمن مساعي تخفيف أزمة الكهرباء في لبنان.
وكان المسؤولون اللبنانيون يتجنبون زيارة سوريا رسميا منذ بدء الثورة عام 2011، حيث تبنت بيروت سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، رغم خرق جماعة “حزب الله” تلك السياسة بالقتال إلى جانب نظام بشار الأسد في مواجهة قوات المعارضة.
ويعتبر أبو زيد أن “الولايات المتحدة الأمريكية فاتحة الأبواب لكل التسويات الممكنة”، لافتا إلى “أننا في مرحلة انتقالية لم تتوضح صورتها بعد”.
أما قصير، فيضيف: أن “المزيد من الحصار كان سيجعل لبنان في حضن إيران والصين وروسيا وسوريا، لذا أسرعت أمريكا للتعاون مع حلفائها بالمنطقة في الأردن ومصر لاستجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان”.
ووافقت الإدارة الأمريكية على متابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية (جلبها عبر خطوط) من الأردن عبر سوريا.
ويتوافق كلام المحللين عن وجود مرونة أمريكية تجاه حزب الله، ويقول لحود: إن “الظاهر هناك تغيير بالسياسة الخارجية الأمريكية وهي تعتمد أسلوباً مختلفاً عما كان معمول به خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب”.
ويعتبر أن “أمريكا رأت أن عملية مواجهة حزب الله تضر بالشعب اللبناني، وتعود بالنفع على حزب الله، لذا ستعتمد على مقاربة جديدة، وذلك بالتزامن مع انعقاد آخر جولة تقريباً بين أمريكيين وإيرانيين (المفاوضات الجارية بفيينا بشأن النووي الإيراني)”.
ويشير لحود إلى أن “كل ما يحصل في لبنان هو عملية تكيّف مع ما يحصل في فيينا (المفاوضات الأمريكية الإيرانية)، وهناك تسهيل من الجانبين (أمريكا وحزب الله) في لبنان”.
المصدر: الأناضول