الرئيسية / مقالات رأي / ألمانيا… عقد ونصف العقد من شخصية ميركل

ألمانيا… عقد ونصف العقد من شخصية ميركل

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي 

الشرق اليوم – في السادس والعشرين من أيلول (سبتمبر) الجاري، يذهب الألمان إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشكل نقطة مفصلية في تاريخهم، لأنها تطوي صفحة انغيلا ميركل، التي قررت اعتزال السياسة بعد 16 عاماً في السلطة، طبعت خلالها السياسة الألمانية بطابعها، وامتد تأثيرها ليطاول القارة الأوروبية، حتى يصح القول بأريحية، أن المستشارة كانت لها مواقف ساهمت في شكل رئيسي في إنقاذ الاتحاد الأوروبي، الذي مر بمنعطفات رئيسية خلال أكثر من عقد ونصف عقد.

ميركل التي ترعرعت في ألمانيا الشرقية سابقاً وابنة قس، اختارت الانتماء بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة وتوحيد ألمانيا، إلى الاتحاد الديموقراطي المسيحي المحافظ بزعامة هلموت كول، وتتلمذت على يديه منذ كانت في الخامسة والثلاثين من العمر، حيث تركت العمل في المجال العلمي، وإنتقلت إلى السياسة، لتبدأ بالبروز اعتباراً من العام 1999، حيث سعت إلى الخروج من عباءة كول، وشق طريق خاص بها، ومن دون أن تتورع عن توجيه الانتقاد إليه، إلى أن حانت لحظتها بتزعم الاتحاد والفوز بالانتخابات التشريعية عام 2005، وتمكنت مذاك من الإمساك بالقرار، وأحياناً بترؤس حكومات ائتلافية عريضة مع منافسها الرئيسي، “الحزب الديموقراطي الإشتراكي”.

أبقت ميركل ألمانيا في الصدارة الاقتصادية على الصعيد الأوروبي. وكان لها دور مميز إبان الأزمة المالية العالمية عام 2009، والتي أرخت بثقلها على اليورو، العملة الأوروبية الموحدة، يوم انهارت اليونان وكادت تخرج من منطقة اليورو. إلا أنه لا يزال يُذكر لميركل كيف تصرفت حيال أقسى أزمة عصفت بالتكتل الأوروبي منذ ظهوره إلى الوجود عام 1957. يومذاك قست ميركل على اليونان، لكنها لم تمانع في صفقة الإنقاذ المالي، التي أعادت إخراج بلد الفلاسفة من عثرته الاقتصادية، لأن ميركل اعتبرت أن “انهيار اليورو يعني إنهيار الاتحاد الأوروبي”.

ويُحسب لميركل إدارتها الماهرة لملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث لم تتساهل مع لندن خلال المفاوضات الماراتونية لـ”البريكست”، ما جعل دولاً أعضاء آخرين في الاتحاد، تفكر في عواقب سلوك مسلك بريطانيا.

وفي المدى الأوروبي، راوحت علاقة ميركل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بين الصعود والهبوط، لكنها على العموم سلكت سياسة واقعية حيال الكرملين، أثمرت علاقات اقتصادية مبنية على المنفعة المتبادلة، توجت في مد خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” من روسيا إلى ألمانيا مباشرة، على رغم التحفظات الأميركية. وفي الوقت نفسه، لم تتسامح ميركل مع إقصاء بوتين قوى المعارضة، وكانت المحرك وراء العقوبات الأوروبية على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وسجن المعارض أليكسي نافالني.

وعاصرت ميركل أربعة رؤساء أميركيين، واستطاعت التعامل معهم بمهارة والدفع نحو تعزيز العلاقة بين ضفتي الأطلسي. وتواجهت ميركل فقط مع الرئيس السابق دونالد ترامب بسبب تجاهله للحلفاء ورفع شعار “أميركا أولاً”. وسبقت المستشارة قادة العالم في الترحيب بانتخاب جو بايدن رئيساً، نظراً إلى تشديده على أهمية العلاقة عبر الأطلسي. ومع ذلك، لم تخف ميركل استياءها من القرار الأحادي لبايدن بالانسحاب من أفغانستان من دون التشاور مع الحلفاء.

بعد أيام، سيكون الألمان على موعد مع انتخابات لا يتوقع أن تفرز منتصراً واضحاً. ومهما كان المتقدم في النتائج، سواء زعيم “الاتحاد الديموقراطي المسيحي” أرمين لاشيت، أو زعيم “الحزب الديموقراطي الإشتراكي” أولاف شولتس، أو زعيمة “حزب الخضر” أنالينا بيربوك، فإن الفائز سيواجه تحدياً كبيراً في ملء فراغ سيتركه غياب ميركل عن الحياة السياسية.

وقد تكون الأحزاب الثلاثة الرئيسية أمام خيار الدخول في ائتلاف واسع للتمكن من تأليف حكومة، في وقت تواجه ألمانيا تحدي التغلب على فيروس كورونا والآثار التي رتبها على أكبر اقتصاد أوروبي.

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى هناك تحدي تزايد التأييد لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، الذي يتغذى على ظاهرة كره الأجانب مع تصاعد أعداد المهاجرين الآتين من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتمكن هذا الحزب من دخول البوندستاغ في الانتخابات الأخيرة، في ظل معارضة الكثير من الألمان لاستقبال ميركل أكثر من مليون لاجئ سوري عام 2015.

يمكن القول إن ألمانيا في خضم تحولات أوروبية وعالمية وهي في صلب هذه التحولات، تؤثر فيها وتتأثر بها.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …