بقلم: سمير عادل – العرب اللندنية
الشرق اليوم- المقاطعة سياسة انتهازية بامتياز، فهي تعني الضغط على القوى الفاسدة والمجرمة لانتزاع أو تحسين السهم أو الحصة في العملية السياسية للجهة التي تقاطع، فالمقاطعة هنا ليست أكثر من إبداء الرغبة بالمشاركة بالعملية السياسية شرط توفر مكانة مناسبة في صفوف الفاسدين واللصوص والحرامية.
الجميع يعرف أنَّ أساس الفقر والعوز وغياب الخدمات وانعدام الأمان وانفلات الميليشيات وجرائمها على طول جغرافية العراق وعرضها متأتّ من العملية السياسية على ما يقارب من العقدين من الزمن. فالأحزاب والقوى والشخصيات بمن فيها نوري المالكي وهادي العامري الذين جاؤوا ونُصّبَوا على رقاب الجماهير بفضل الغزو الأميركي، كانوا يصفقون بحماسة لجرائم الاحتلال، بينما اليوم يزايدون على إنهاء الوجود الأميركي، وارتهنوا كل مقدرات العراق وثرواته ومصير جماهيره إلى الجمهورية الإسلامية في ايران، وحولوا مساحة واسعة من العراق إلى حديقة خلفية لجمهورية خامنئي صاحب المقولة الشهيرة التي عبّر عنها عبر قادة فيلق القدس إلى “مكونات” البيت الشيعي “وحدة الطائفة فوق الوطن”، في حين حولوا القسم الآخر إلى مرتع للقواعد الأميركية، وها هم اليوم ترتفع عقيرتهم وتتعالى صرخاتهم، بأن صفقات مصطفى الكاظمي مع السعودية والإمارات هي استعمار جديد.
هؤلاء المتورطون بأشكال مختلفة بدماء جماهير العراق ونهب ثرواته هم من يريدون إدامة العملية السياسية بالرغم من كل ما آلت إليه أوضاع العراق.
يقول ألبرت آينشتاين صاحب النظرية النسبية، إن من يعتقد أنَّه سيحصل على نتائج إيجابية من تجربة فشلت عدة مرات، فهذا يعني الجنون بعينه، ولكنه لم يحالفه الحظ كي يختبر تجربة العملية السياسية في العراق ليضيف إليه؛ إنه الأحمق وحده من يعتقد بعد ما يقارب من عقدين من الزمن وإجراء عدة انتخابات، بأنَّ السماء في العراق ستمطر المن والسلوى، وسيهبط علينا من كوكب المريخ صف جديد من الأحزاب ومن القوى غير الإسلامية وغير القومية عبر العملية السياسية لتنقل العراق إلى بر الحرية والمساواة والأمان.
علينا أنَّ نؤكد بأنَّه لا تحسّن في الظروف المعيشية للجماهير دون إنهاء العملية السياسية، فلا حل لإنهاء الميليشيات أو كما يسميها الكاظمي بالسلاح المنفلت دون إنهاء العملية السياسية، لا طريق لتوفير الخدمات دون إنهاء العملية السياسية، لا حديث عن المساواة والحرية في ظل هذه القوى الفاسدة، ودون ترحيلها إلى الكهوف التي قدمت منها.
إنَّ “أفضل” النتائج التي حصلت عليها جماهير العراق عبر انتفاضة أكتوبر هي حكومة الكاظمي، وهي من صورت بشكل كاذب وخادع للجماهير المنتفضة أنها جاءت تلبية لتضحيات الانتفاضة، هذه الحكومة المنبثقة من العملية السياسية شرعت الورقة البيضاء، وأقامت هدنة مع الميليشيات على حساب أمن وسلامة الجماهير بعد أن صدعت رؤوسنا بأنَّها منفلتة، وقد غضت الطرف عن كل جرائمها، وبات الكاظمي يهادنها ويتملق لها، إنَّه يساوم على دماء المنتفضين، وباع كلمات معسولة لم تنطلِ حتى على الذين لا يعرفون الوضع العراقي. تلك الحكومة التي جاءت بدعم مقتدى الصدر الذي لا ينازعه أحد بالفساد وبرعاية ميليشياته المنفلتة، ويتبجح على الجميع دون أي خجل أو حياء ويزايد على الفاسدين والمجرمين بأنه يريد الإصلاح. والإصلاح في نظره تنحية القوى المنافسة له من المالكي والعامري والحكيم كي يتربع على كرسي الفساد لوحده، وكأننا نسينا ما فعله أصحاب القبعات الزرق بالمتظاهرين في انتفاضة أكتوبر في ساحات الانتفاضة في الناصرية وبغداد وكربلاء والنجف، أو وزراؤه في ميادين الخدمات مثل الصحة والكهرباء وغيرها التي فاحت رائحة فسادهم أكثر من رائحة الجيفة والمستنقعات الزبالة التي تزين بغداد. إنَّ الصدر هو من أعلن مقاطعة الانتخابات ليجسد معنى “المقاطعة” التي نتحدث عنها، عندما وجد أنَّ حظوظه ستقل في هذه الانتخابات، وحين وجد أنَّه لا مفر بأن لا أحد يسمع دعواته، تراجع عن موقفه بالمقاطعة، كي يحافظ على الأقل على حصته في هذه الانتخابات.
وأخيرا فإننا عندما نقول لا أمن ولا أمان، لا حرية ولا مساواة، لا أمل بالتغيير دون إنهاء العملية السياسية، والسبب هو أنَّ الانتخابات القادمة ليست إلا تعميقاً للأزمة السياسية، وحلقة أخرى لإدارة تلك الأزمة بدلاً من حلها على حساب أمن وسلامة ورفاه جماهير العراق، فكل الذين يقودون اليوم القوائم الانتخابية مثل العامري والمالكي والحكيم والصدر والخزعلي والفياض والحلبوسي والخنجر… الخ يجب أن يكون مكانهم في المحاكم العلنية، بتهم جرائم الفساد والنهب وقيادة ميليشيات لتقتل بدم بارد وتنظم حملات التطهير الطائفي وانتهاكات حقوق الإنسان. إن آليات العملية السياسية التي أرسيت على أسس المحاصصة القومية والطائفية، وتقوم على دعامتي الجمهورية الإسلامية والماكنة العسكرية الأميركية هي من تؤهل هؤلاء المتهمين لترشيح أنفسهم إلى الانتخابات بدل من القصاص العادل بحقهم.
وعليه فإنَّ أقصر الطرق هو برفع الشرعية عن العملية السياسية عبر إفشال الانتخابات وتحويل غضب وسخط الجماهير إلى حركة عظيمة تكنس هؤلاء من المجتمع، إنَّ قدر الجماهير ليس البرلمان، إنه صورة مخادعة وضعتها الماكنة العسكرية الأميركية عبر الاحتلال وصورتها الأقلام المأجورة لتضعها كطوق أسر على رقاب الجماهير، لذا فنحن نرى أنَّ السلطة المنبثقة من الجماهير مباشرة عبر تأسيس أشكال تنظيمية مختلفة مثل لجان أو مجالس المحلات والمعامل والدوائر الحكومية والجامعات، واختيار ممثليها لتأسيس هيئة سياسية تحكم العراق وتنفذ برنامج الأمن والحرية والمساواة، والذي لا يحتاج إلى المليارات من الدنانير المسروقة من جيوبنا للدعاية الانتخابية، ولا انتظارا لأربع سنوات كي يسنوا خلالها القوانين المعادية لنا.