الشرق اليوم- مع تفجر أزمة اللاجئين الأفغان ونزوحهم إلى دول الجوار بعد استيلاء حركة “طالبان” المتشددة على السلطة في أفغانستان، يبدو أن إيران قد استفادت من تجربة تركيا التي أجادت استخدام ورقة اللاجئين للضغط على أوروبا. فهذه الأزمة شكلت فرصة لإيران لكي تضغط بها، لمنع أوراق اتهامها المتعلقة بالانتهاكات النووية من الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي.
الدخول إلى المنطقة المظلمة
تقوم إيران منذ حزيران (يونيو) 2019، بتطبيق “سياسة خفض الالتزام النووي”، التي شملت زيادة مخزونها من اليورانيوم المُخصب، ووصول تخصيبه إلى نسبة 60 في المئة، وتطوير أجهزة الطرد المركزي. وتطوّر الأمر إلى أن أوقفت إيران العمل بالبروتوكول الإضافي الخاص بمراقبة الأنشطة النووية، ما جعل برنامجها النووي يصل إلى نقطتين خطيرتين:
الاقتراب من العتبة الحرجة، حيث أصبحت إيران على بعد “خطوة واحدة”، لإنتاج القنبلة الذرية، بعدما تجاوزت حدود الاتفاق النووي المُبرم عام 2015. وثانياً الدخول إلى المنطقة المظلمة، حيث لم تعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرف ما الذي يدور داخل منشآت إيران النووية؛ بعدما تم حرمان مفتشيها من تفريغ كاميرات المراقبة.
كل هذا كان كافياً لإصدار الوكالة الدولية تقرير، يمكن من خلاله إرسال ملف إيران إلى مجلس الأمن، ومن ثم إعادة فرض العقوبات الدولية عليها، خصوصاً أن تجميد مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي -التي توقفت بعد ست جولات، والتي كان آخرها في 20 حزيران (يونيو) الماضي، من دون أن تحدد إيران موعداً للعودة؛ سوى التصريح بالإبقاء على مبدأ التفاوض- جعل الإدارة الأميركية، تفقد الأمل في عودة إيران إلى طاولة المفاوضات والالتزام بمقررات الاتفاق النووي. ومن ثم لوّحت بالخيارات البديلة لإخضاع إيران، والتي منها الذهاب إلى مجلس الأمن والعودة بالعقوبات الدولية، لا سيما أن دول أوروبا إذا انصاعت للضغوط الأميركية، فيمكنها أن تفعّل آلية “سناباك” التي تعود بالعقوبات على إيران.
الحالة النووية “الكامنة“
لقد استطاعت إيران من خلال تطبيق “سياسة خفض الالتزام النووي” والمماطلة في المفاوضات مع الغرب؛ أن تصل إلى مرحلة “لم يعد يبقى من الاتفاق النووي شيئاً”؛ وذلك بعد أن طورت من إمكاناتها النووية خارج إطار مجلس الأمن ومراقبة الوكالة الدولية؛ وبذلك يكون من الصعب إعادتها إلى المربع الأول.
وقد تصل إيران بذلك في مفاوضاتها، للإبقاء على “الحالة النووية الكامنة”؛ أي تستخدم ذلك بمثابة “عصا سياسية”؛ فهي قادرة على إنتاج السلاح النووي بشكل سريع ولديها الإمكانات التكنولوجية لفعل ذلك؛ مثلما هي اليابان وكندا…. لكن على الغرب أن يُبقي على التزاماته معها، ويجب أيضاً أن لا تشعر بالخطر من قوى إقليمية مثل إسرائيل؛ إذا ما أرادوا تجنبها السعي إلى السلاح النووي.
لقد طورت إيران من إمكاناتها النووية من دون أي قلق من الجانب الأوروبي -الذي لا يزال شريكاً معها في الاتفاق النووي بعدما غادرته الولايات المتحدة الأميركية في 8 حزيران (يونيو) 2018- إذ كانت تدرك حاجة أوروبا إليها في ظل التحولات الجيوبولتيكية التي تمر بها المنطقة.
وعندما ظهرت ورقة اللاجئين الأفغان؛ تعاظم الاطمئنان في نفس إيران؛ بسبب الفزع الأوروبي من مسألة اللاجئين، إلى درجة أنه وبينما كان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، يزور إيران، الأحد في 12 أيلول (سبتمبر) الجاري؛ كان موقع “نور نيوز” الإخباري المقرب من مجلس الأمن القومي، يؤكد أن مجلس حكام الوكالة الدولية، لن يتخذ أي إجراء ضد إيران خلال اجتماعه المقبل.
ورقة اللاجئين
في التطورات كانت خطوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بالاتصال بنظيره الإيراني “إبراهيم رئيسي”، الأحد 5 ايلول (سبتمبر) الجاري، وحثه على العودة إلى المفاوضات في فيينا. وبعدها، خطوة زيارة مدير الوكالة الدولية إلى طهران، وإبرامه اتفاقاً موقتاً يسمح للمفتشين بتركيب شرائح ذاكرة جديدة في الكاميرات التي تراقب البرنامج النووي، وكذلك الإتفاق على العودة مرة أخرى إلى طهران لإجراء مزيد من المحادثات لبناء الثقة بين الوكالة والحكومة الإيرانية. ثم بعدها، جاءت تصريحات المنسق الأوروبي لمحادثات الاتفاق النووي، إنريكي مورا، الذي وصف الاتفاق بين إيران والوكالة الدولية بـ “الخطوة الإيجابية”. وأيضاً، تصريح رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، أن لدى الاتحاد مصالح مشتركة مع إيران في ما يخص القضايا الدولية، والتطورات في أفغانستان. وأن إيران تقوم بدور مهم لاستضافتها الرعايا الأفغان. وأن الاتحاد الأوروبي سيواصل تعاونه مع كل الأطراف والولايات المتحدة؛ للتأكد من تنفيذ بنود الاتفاق النووي.
كل هذه الخطوات، ما هي إلا مساعٍ أوروبية لإنقاذ إيران من غضب الولايات المتحدة الأمريكية ومن عقوبات مجلس الأمن. وذلك؛ لأن أوروبا تدرك أن إيران تملك الآن ورقة اللاجئين الأفغان القادرة على إغراقها في المزيد من الأزمات والمشاكل.
أوروبا 2021
إن أوروبا 2021 مغايرة لأوروبا العام 2015، التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ وهارب من أزمات الشرق الأوسط. لقد ظهرت متغيرات جديدة؛ فالأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مع ظهور “فيروس كورونا” ومعاناة أوروبا من حالة انكماش وتباطؤ ومؤشرات ركود اقتصادي، والانشقاق داخل المجتمعات الأوروبية حول مسألة اللاجئين، وتنامي الحركات الشعبوية، الذي ترجمه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). وتحذير أحزاب اليمين من مخاطر اللاجئين الأمنية والاقتصادية والثقافية والدينية. وكذلك رؤية أحزاب الوسط من تحول مسألة اللاجئين إلى “عبء سياسي”.
كل ذلك دفع أوروبا إلى الخشية من تكرار نتائج 2015 السلبية. ولذلك دعا الرئيس الفرنسي إلى “استباق” وصول اللاجئين الأفغان واتخاذ تدابير للحماية من تدفقاتهم. ودعت النمسا إلى إقامة “مراكز احتجاز” في الدول المجاورة لأفغانستان. أي أن أوروبا قلقة من وصول اللاجئين الأفغان إلى بلادها، وهناك حاجة إلى إيران لمنع تدفقهم. وهذا الأمر إلى جانب قلقها من تدفق المخدرات الأفغانية؛ فقد تلجأ حركة “طالبان” لتهريب المخدرات إلى الخارج لتوفير الدعم المالي، بعدما تم تجميد أصول أفغانستان في الخارج. وهي ورقة أخرى تستخدمها إيران؛ فقد طالب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، وحيد جلال زاده، أوروبا بدفع جزء من تكلفة مكافحة عبور المخدرات.
الخلاصة
إن إيران قد تمادت في سياسة خفض الالتزام النووي، لأنها تدرك أن أوروبا لن تتحالف مع الولايات المتحدة ضدها بسبب مخاوفها من تدفق اللاجئين الأفغان.
إن ظهور أزمة أفغانستان، فرصة لإيران؛ للضغط على الغرب لتمرير اتفاق نووي جديد، يسمح لها بالإبقاء على إنجازاتها النووية في حالة “كامنة”، والتي تقف على خطوة واحدة من السلاح النووي.
المصدر: النهار العربي