بقلم: د. منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – الاستفتاء على طرد حاكم ولاية كاليفورنيا حمل مفارقات تشرح الكثير من سمات المجتمع والسياسة في الولايات المتحدة.
والحقيقة أن الأصل في الانتخابات الأمريكية أن شاغلي المناصب الانتخابية يستمرون في مناصبهم حتى موعد الانتخابات التالية، المحدد سلفًا. وباستثناء مسألة العزل حال مخالفة الدستور والقانون، فإن تلك هي القاعدة بالنسبة للمناصب الفيدرالية مثل رئيس الدولة وأعضاء الكونجرس. إلا أن الأمر يختلف على مستوى الولايات. فلأن أمريكا دولة فيدرالية، فإن الولايات لها سلطاتها وقوانينها المستقلة، بما لا يتعارض مع الدستور الأمريكي.
لذلك فإن الكثير من الولايات تسمح للناخبين بتغيير شاغلي المناصب بالولاية قبل نهاية مدتهم، إذا ما أرادوا. وذلك عبر تجميع توقيعات عدد ضخم منهم، تحدده كل ولاية في قوانينها، للتقدم بالتماس لطرد شاغل المنصب. ومتى اكتمل العدد يتم عرض الأمر على استفتاء بالولاية. وهو بالضبط ما حدث في كاليفورنيا. والاستفتاء فيها طلب من الناخبين التصويت ليس فقط لصالح أو ضد طرد حاكم الولاية من منصبه، وإنما أيضًا اختيار من يخلفه من المرشحين.
والمرشح الأكثر حظًا هو الجمهوري الأسود المحافظ لاري إلدر الذي يتخذ مواقف تضر بالسود والأمريكيين من أصول لاتينية ولكن هناك نسبة معتبرة منهم تدعمه. فهو يتبنى أسطورة «الحلم الأمريكي». ومضمون «الحلم الأمريكي» ببساطة أنك إذا ما بذلت أقصى جهدك في العمل بكل جدية ومثابرة فإنك ستحقق كل أحلامك في الثروة والمكانة الاجتماعية فقط.
وإلدر بنى حملته الانتخابية على رسالة مؤداها أن أبناء الأقليات الذين يعانون من الفقر والعوز لا يلومون إلا أنفسهم، لأن الفقر «اختيار شخصي». وهو طرح به يبرر الجمهوريون، عمومًا، تقليص دولة الرفاهية باعتبار أن من يعانون الفقر كسالى لا يستحقون المساعدة، ومن ثم لا داعي لحصولهم على أي مساعدة من جانب الدولة، خصوصًا لأنهم يحصلون عليها من أموال دافعي الضرائب الذين يكدون في العمل.
وتلك الأسطورة تتجاهل دور القرارات الحكومية في تحديد مصير المواطنين الاقتصادي والاجتماعي، كما تغض الطرف عن آثار العنصرية الهيكلية وغيرها من الأبعاد المعروفة. والمفارقة أن تلك الرسالة تجد صدى لدى أقلية معتبرة من السود والأمريكيين من أصول لاتينية. فالكثيرون منهم يعملون بالفعل عملًا شاقًا. وتكرار تلك الرسالة تجعلهم يُمنّون أنفسهم بتحقق ذلك الأمل الزائف، ورغم أن كل حقوق الأقليات تم انتزاعها انتزاعًا عبر العمل الجماعي لا تلك الفردية المطلقة.
ويكشف الاستفتاء سمة أخرى لا تقل أهمية، وهي الدور السياسي للدين بأمريكا. صحيح أن الدستور الأمريكي يفصل بين الدين والدولة، إلا أنه لا يفصل بين الدين والسياسة. فهو يحظر على الكونجرس إصدار تشريعات تنص على دين رسمي للدولة أو «تحظر الممارسة الحرة للدين»، أي دين. لكن لا يوجد بالولايات المتحدة فصل بين الدين والسياسة. فكثيرة هي المرات التي ترشح فيها رجال الدين للمناصب السياسية، بما فيها منصب الرئاسة. والأصوليون المسيحيون يشكلون كتلة انتخابية ذات دور فارق في كل الانتخابات العامة.
ورغم أن الكنائس تتمتع بإعفاء من الضرائب، كونها مؤسسات دينية لا سياسية، فهي تلعب دورًا سياسيًا تجسد بوضوح في استفتاء كاليفورنيا. فالكنائس انقسمت بين مؤيد ومعارض لطرد حاكم الولاية من منصبه، ودعت أتباعها علنًا للتصويت لصالح أو ضد طرده من منصبه، بل قامت إحداها بتبني مؤتمر انتخابي حاشد لدعم أحد المرشحين. والمرشحون للمنصب، بمن فيهم حاكم الولاية، زاروا الكنائس للحصول على دعمها وللدعاية السياسية من خلالها. باختصار، أمريكا فعلًا بلد الشيء وعكسه!