بقلم: أسعد عبود – صحيفة النهار العربي
الشرق اليوم- ربط الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش بين ما جرى في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 والإنقسام الأمريكي الداخلي الحالي الذي ظهر جلياً في 6 كانون الثاني (يناير) 2021 عندما اقتحم مؤيدون للرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكونغرس في محاولة لمنع تثبيت نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جو بايدن في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020. وأجرى مقارنة بين تلك الوحدة التي تجلت قبل 20 عاماً بين الأمريكيين، على أثر الهجمات وما تشهده أمريكا من انقسامات و”صدام بين الثقافات” اليوم.
الرئيس بايدن، نفسه ركز في الكلمات التي ألقاها في المناسبة على هذا الانقسام، مذكراً بروح الوحدة التي شعر بها الأمريكيون وقتذاك، وكيف يعيشون مناخات التطاحن الداخلي التي تستفيد منها “أنظمة إستبدادية” مثل الصين وروسيا للقول إن الدول الديموقراطية ليست موحدة. أي أنه ربط بين الانقسام السياسي والاجتماعي والمواجهة “الشرسة” التي تخوضها الولايات المتحدة في الوقت الحاضر مع كل من بكين وموسكو.
وفضلاً عن بايدن وبوش، أقام معلقون ومحللون بارزون، مثل هذا الربط بين هجمات 11 أيلول (سبتمبر) وما تعانيه أمريكا من انقسام اليوم. وخير دليل على ذلك، الحملات المتواصلة التي يشنها ترامب، الطامح إلى الترشح للرئاسة عام 2024، على بايدن بسبب الإخفاق الذي واجهته عملية الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان. وحتى أن الرئيس السابق الذي لا يزال يحظى بتأييد أكثر من 60 في المئة من الحزب الجمهوري، لم يوفر الإدارة الحالية من انتقاداته حتى بينما كانت أمريكا تحيي ذكرى أسوأ هجوم تتعرض له منذ بيرل هاربور. وقال ترامب إن “ما حصل أمر مروع… بدا الأمر كأننا تراجعنا، كأننا استسلمنا”.
ويمضي ترامب في استغلال الفوضى التي تخللت الانسحاب العسكري وإجلاء الرعايا الأمريكيين والأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأميركية في الأعوام العشرين الأخيرة، كي يوظفها سياسياً في الانتخابات النصفية العام المقبل أملاً في أن يحقق الجمهوريون فوزاً يضمن لهم السيطرة على مجلسي الكونغرس، ما يحيي آمال ترامب بالعودة مجدداً إلى البيت الأبيض.
لن يعبأ ترامب كثيراً بما يمكن أن تسببه حملاته من زيادة الإنقسام الداخلي، أمام المردود السياسي الذي يمكن أن يجنيه جراء ذلك، علماً أنه هو نفسه من أبرم اتفاق الإنسحاب العسكري الكامل من أفغانستان عام 2020، وهو من فتح صفحة التفاوض المباشر مع “طالبان”، لكن ذلك لن يحول دون الاستثمار السياسي الذي يقوم به حالياً.
والملاحظ أنه على رغم ما انتاب عملية الانسحاب والإجلاء من فوضى وإرباك وسقوط قتلى من الجنود الأمريكيين في الهجوم الانتحاري الذي شنه تنظيم “داعش” على مطار كابول في 27 آب (أغسطس)، فإن إستطلاعات الرأي كلها تظهر أن غالبية الأمريكيين لا تزال تؤيد الإنسحاب من أفغانستان ووضع حد لأطول حرب أمريكية في الخارج، لكنها غير راضية عن الأخطاء التي شابت هذه العملية.
ما تجدر الإشارة إليه، هو أن الانقسام في المجتمع الأمريكي، سابق لعملية الانسحاب من أفغانستان، ومرده إلى تفاقم العنصرية وبروز جماعات تؤمن بتفوق البيض. والإحتجاجات الواسعة التي تلت مقتل الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض في مينيابوليس في أيار (مايو) 2020، أكدت أن الفجوة الثقافية في الولايات المتحدة آخذة في الاتساع.
وخذ مثلاً ردود الفعل الغاضبة لشريحة واسعة من الجمهوريين واليمين المتطرف، على إزالة تمثال الجنرال الجنوبي إبان الحرب الأهلية روبرت لي من ولاية فيرجينيا. ويعتبر جزء كبير من الأمريكيين النصب التذكارية التي تكرم روبرت لي وشخصيات أخرى في الولايات الجنوبية، رموزاً عنصرية بينما يرى آخرون أنها جزء من إرثهم التاريخي. ولا تزال هذه القضية تتسم بحساسية كبيرة.
وفي خطوة تعكس الشرخ العميق في البلاد حول هذه القضية، ندد ترامب بإزالة هذا التمثال “الرائع” الذي يكرم “أحد أعظم الاستراتيجيين”. وغمز من قناة الانسحاب من أفغانستان قائلاً إنه لو تسنى لهذا الجنرال قيادة الحرب هناك “لكنا انتصرنا” منذ زمن.
وفي السياق نفسه، يرفض كثير من الجمهوريين إلزامية تلقي اللقاحات ضد كورونا، لأن بايدن والديموقراطيين يصرون على ضرورتها لمواجهة الفيروس القاتل، الذي عاد ليتفشى بسرعة في الولايات الأميركية، لا سيما تلك التي حكامها من الجمهوريين، ويرفضون اللقاح والإغلاقات.
هذه ظواهر تترسخ في الولايات المتحدة وتهدد باتساع الشرخ في المجتمع وتؤثر في السياسة. ويرفض الكثير من المشرعين الجمهوريين، إنشاء لجنة للتحقيق في اقتحام مبنى الكونغرس على غرار اللجنة التي تشكلت عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، ويعتبرون أن قيام مثل هذه اللجنة من شأنه مفاقمة الانقسام الحاصل، بينما يرى الديموقراطيون، أن التهديد الذي تعرضت له الولايات المتحدة في 6 كانون الثاني (يناير) لم يكن يقل أبداً عما تعرضت له البلاد في 11 أيلول (سبتمبر).