الشرق اليوم- كان إيمانويل ماكرون رئيساً مثيراً للشفقة على مر عهده، فثمة شرخ كبير بين وعوده المفرطة وأدائه الضعيف، فقد اعتبر ماكرون العلماء الفرنسيين الأفضل في العالم، لكنهم لم ينجحوا بعد في ابتكار لقاح يستحق نيل المصادقة، كذلك، أعلن ثقته بالاتحاد الأوروبي لتنظيم توزيع اللقاحات في أوروبا، لكن أدت جهوده إلى تأخير هذه العملية لأشهر، حتى أن دولاً خارج الاتحاد تفوقت في هذا المجال، بما في ذلك المملكة المتحدة.
اليوم، ينزل مئات آلاف المتظاهرين إلى الشوارع أسبوعياً احتجاجاً على الشهادة الصحية التي فرضها ماكرون: من دون هذا الجواز، يعجز الناس عن شرب القهوة في أي مقهى بطريقة قانونية أو زيارة مراكز التسوق أو ركوب القطارات أو الطائرات، لم يُهزَم الفيروس بعد ويرتفع احتمال تجديد تدابير الإقفال التام في الخريف، ولو كانت هذه الظروف جزءاً من حرب حقيقية، يمكن اعتبار ماكرون مهزوماً بكل وضوح.
لكنّ أزمة كورونا ليست المعيار الوحيد الذي يلجأ إليه الناخبون لتقييم سجل ماكرون، فقد أثبتت زيارة الرئيس التي دامت ثلاثة أيام إلى مارسيليا في الأسبوع قبل الماضي أن بنود القانون الفرنسي ومشاكل أخرى مرتبطة بالنظام لا تتماشى مع تصريحاته وخطاباته اللامتناهية، وتعهد ماكرون بتقوية سلك الشرطة الذي يتعامل مع أعباء مفرطة بسبب عنف العصابات، و”إعادة ابتكار” المدارس التي توشك على الانهيار، وتعرّض الرئيس الفرنسي والمحيطون به لصيحات الاستهجان أينما ذهبوا. لكن على بُعد 200 يوم تقريباً من موعد الجولة الأولى من انتخابات السنة المقبلة، يبدو معارضو ماكرون في وضعٍ أسوأ منه، ومن المفاجئ إذاً أن تصبح أزمة كورونا، التي كان يُفترض أن تنهي عهد ماكرون، أداة لإنقاذه الآن، لقد استنزف الوباء قوة المسؤولين في الإليزيه بدرجة غير مسبوقة، ورغم غرابة الوضع، يبدو أن تدابير الإقفال التام وشهادات التنقل وأقنعة الوجه الإلزامية والجوازات الصحية تحظى بشعبية واسعة بين الناس.
كما يحصل في بريطانيا وألمانيا وأستراليا وأماكن أخرى، يبدو أن جزءاً كبيراً من الناخبين يفضّل التصرف بطريقة طفولية، فهم يظهرون في كل مكان، ويضعون الأقنعة على وجوههم أثناء قيادة سياراتهم وحدهم، وينشرون مواقف غاضبة حيث يهاجمون معارضي اللقاحات على “فيسبوك” و”تويتر”، ويكتبون تعليقاتهم على المقالات الصحافية ذات الصلة، ومع اقتراب فصل الشتاء وبدء التشكيك بفاعلية اللقاحات، يلوح الإقفال التام في الأفق مجدداً. لكن يحصد ماكرون حتى 50% من تأييد الناخبين في بعض استطلاعات الرأي. إنه رقم مثير للفضول لأن نصف هذا العدد فقط يعترف باستعداده للتصويت لصالحه.
يبدو أن الفيروس بات صديقاً له في هذه المرحلة، إذ لم يجرؤ أي سياسي معارِض بارز على التشكيك باستراتيجيات الحكومة، ربما تظاهر الآلاف، لكن امتنع الملايين في المقابل عن التظاهر، كما يُشَيْطِن ماكرون وفريقه المعترضين بأسلوبٍ مشابه لرئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، وفي مقابلة مع صحيفة “لو باريزيان”، وصف المتحدث باسم الحكومة المحتجين حديثاً بعبارة “أصحاب النزوات الانهزاميين والهامشيين”. في العالم الناطق باللغة الإنكليزية، تعطي معظم السياسات القاتلة للحريات مكافآت سياسية مهمة، وقد يتكرر هذا الوضع في فرنسا أيضاً.
في النهاية، قد يتفوق إريك زمور على مارين لوبان ويواجه ماكرون، وقد يُصعّب على ماكرون الفوز في الجولة الثانية لكنه مضطر لتحسين مستواه لتجاوز شرور الشيوعية ونزعة الانحطاط، وتبدو معظم وسائل الإعلام منحازة إلى ماكرون، ويخضع “تويتر” و”فيسبوك” للرقابة، ويشعر عدد هائل من الفرنسيين بالرعب من الفيروس، لذا يراهن ماكرون على ميل مواطنيه إلى تطبيق نصيحة رجل فرنسي مرموق آخر أصبح أستاذاً في اللغة الإنكليزية. إنه هيلير بيلوك الذي قال يوماً: “احتفظ دوماً بممرضة إلى جانبك خشية التعرض للأسوأ”! ويبدو أن فيروس كورونا لم يهزم ماكرون، بل إنه قد ينقذه في نهاية المطاف.