BY: Francis Fukuyama
الشرق اليوم – كانت لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 عواقب وخيمة على السياسة العالمية، ولكنها لم تكن تماما كما كنا نعتقد، فلم يكن الإسلام الراديكالي هو الحركة السياسية الثورية التي يحلم بها أتباعها ويخشاها الغرب، بل جاءت أهم تداعيات الهجمات بسبب رد فعل مبالغ فيه من الأميركيين الذين غزوا دولتي أفغانستان والعراق، وانتهى بهم الأمر إلى الفشل وتدهور صورة بلدهم حول العالم، كما ترمز لذلك مشاهد الفوضى بمطار كابل.
إن انسحاب الأميركيين من أفغانستان بعد 20 عاما من هجمات 11 سبتمبر/أيلول، أكد ضعف الولايات المتحدة على الساحة الدولية. الولايات المتحدة واجهت في الأشهر الأولى التي أعقبت الهجمات مشكلة اعتبرها خبراء السياسة الدولية جديدة تماما، إذ بدا لهم أن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن يجعل قتل الأميركيين غاية في حد ذاته، وخافت من أن تصل يده إلى قنبلة إشعاعية أو سلاح نووي يزيد التهديد بشكل كبير، كما رأت أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في طليعة حركة عالمية للتطرف الإسلامي تتصارع مع القيم الأساسية للغرب.
وبإعادة النظر إلى الماضي، يظهر أن هذه المخاوف كانت مبالغا فيها، لأن “الإرهابيين” وجدوا صعوبة بالغة في الحصول على سلاح دمار شامل، وأن استمرار هجماتهم بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء أو المركبات المختلفة لم يعطهم الفرصة خلال الـ20 سنة الماضية لتحقيق هجوم خارق، خاصة أن من يستهدفونهم تعلموا حماية أنفسهم بشكل أفضل.
إن مشكلة تنظيم القاعدة الحقيقية هي أن الإسلام الراديكالي لم ينجح في ترسيخ نفسه حركة سياسية جماهيرية، وإن استطاع أن يواصل مهمته المدمرة في مناطق فقيرة وضعيفة، مثل الصومال وكينيا وأفغانستان وشمال نيجيريا، كما أنه لم يكسب تعاطفا من غير المسلمين مع قضيته، حتى إن جميع الدول ذات الأغلبية المسلمة تقريبا أبقته تحت السيطرة.
وبالمقارنة مع الشيوعية التي كان لها تأثير قوي بين المتعلمين في البلدان المتقدمة، ومع القومية الشعبوية المتأصلة في الديمقراطيات الراسخة مثل الولايات المتحدة، لم يكن من السهل القول إن “الإرهاب الإسلامي” موجة صدمة أيديولوجية تهدد بالإطاحة بالنظام العالمي بل إن العنصر المزعزع للاستقرار كان رد الفعل الأميركي على هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وخاصة غزو العراق الذي اتخذ شكل حرب وقائية بدافع الخوف غير المبرر من أن يصنع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أسلحة نووية يمكن أن تقع في أيدي الإرهابيين.
وبالفعل تبين أن هذا التهديد غير موجود، وقللت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بشكل كبير من تقدير التكاليف والصعوبات المرتبطة بالاحتلال المتزامن لدولتين يغلب عليهما الطابع الإسلامي، ولكن الدروس المستفادة من هذه الاحتلالات المطولة، أظهرت صعوبة إنشاء مؤسسات سياسية دائمة تكون حصنا ضروريا ضد ظهور التهديد الإرهابي من جديد.
ولئن تم تصور 3 أهداف: تبدأ ببناء دولة قادرة على احتكار القوة الشرعية على أراضيها، ثم إنشاء دولة حديثة قادرة على تقديم الخدمات الأساسية مع البقاء على الحياد، إضافة إلى التأكد من أن هذه الدولة مسؤولة ديمقراطيا في نظر مواطنيها، فإن الهدف الأول تحقق نسبيا بتنظيم انتخابات في كلا البلدين، غير أن الهدفين الأخيرين كانا أكثر صعوبة.
إن بناء دولة حديثة ذات قدرات قوية ومستوى منخفض من الفساد كان بعيد المنال، لذلك، كان الهدف أكثر تواضعا، ويتمثل في إنشاء حد أدنى من الدولة الموروثة، عبر وضع مواقع السلطة ومواردها في يد المكونات المهيمنة في البلاد، وهي في أفغانستان والعراق مجموعات الهوية المختلفة التي يحددها العرق أو الدين، وقد أطلق بعض المراقبين على هذا النموذج اسم “التحالف الريعي”، وقد كان تحقيقه في العراق أسهل منه في أفغانستان.
ولفهم العقبات التي تحول دون إنشاء دولة في أفغانستان، يعود الأمر دائما إلى القضايا الجغرافية والمناخية، لأن أفغانستان لم تعرف قط دولة مركزية قوية في تاريخها الطويل، باعتبارها أرضا جبلية معرضة للغزاة من جميع الجهات، ومنطقة تنقُّل إلى الأماكن المرغوب فيها، خلافا للعراق الذي كان موطن واحدة من أقدم الدول في العالم.
ولئن نشأ النظام المغولي الذي حكم الهند لعدة قرون في أفغانستان، فإنه سرعان ما وجد شمالي الهند منطقة أكثر ملاءمة لبناء الدولة، كما أن السوفيات والأميركيين، رغم التقدم التكنولوجي وتطور الاتصالات السلكية واللاسلكية وطائرات الهليكوبتر، لم ينجحوا في التغلب على التحديات الهائلة الكامنة في جغرافية أفغانستان.
ومع ذلك إن فشل بناء الدولة في أفغانستان لا يتعلق بالمسألة الجغرافية فقط، لأن الحكومة التي نصبها الأميركيون في كابل لم تحصل على الشرعية التي تحتاجها، لأن توزيع مناصب المسؤولية لم يمثل فيه كل البلد، وانتهى المطاف بجزء كبير من الموارد في جيوب عدد قليل من السياسيين الذين نقلوها إلى حسابات في الخارج، ولم يستثمروا إلا القليل في مشروع بناء الدولة.
هذه الأخطاء كانت بدافع الغطرسة، حيث وقعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول في ذروة الهيمنة الأميركية على العالم بعد سقوط جدار برلين، حتى إن إدارة بوش أعلنت رغبتها في الإطاحة بالنظامين في طهران ودمشق وإعادة تشكيل المنطقة بأكملها على أساس قيمها.
ولعل خطأ الأميركيين الأخطر هو أن معظم الشخصيات الجمهورية البارزة في إدارة جورج بوش الابن كانوا في حكومة والده في نهاية الحرب الباردة، وتصوروا ما وقع في دول أوروبا الشرقية عند تقييمهم التداعيات المحتملة لتدخلاتهم في أفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط الأقرب إلى يوغسلافيا التي غرقت في الفوضى بسبب سياسات الهوية الضارة.
إن عواقب رد الفعل الأميركي المبالغ فيه على هجمات 11 سبتمبر/أيلول كانت شديدة على المدى البعيد، حيث أهدرت الولايات المتحدة آلاف الأرواح ومليارات الدولارات في محاولة لحماية نفسها من تهديدات مبالغ فيها، كما أن الجهود المبذولة لتبرير غزو العراق باعتباره محاولة للدفاع عن الديمقراطية قد شوهت فكرة الديمقراطية ذاتها في أعين العديد من المواطنين حول العالم.
ترجمة: الجزيرة