بقلم: رنى سعرتي – صحيفة “الجمهورية” اللبنانية
الشرق اليوم – لا يختلف اثنان على أنّ مهمّة الحكومة الجديدة هي كبح الانهيار والشروع بإجراءات عاجلة لمعالجة الأزمات المعيشية الآنية، بالاضافة إلى تحدّيات عليها مواجهتها على المدى البعيد في حال توافقت على خطة للنهوض الاقتصادي. ويبقى السؤال: هل أنّ الحكومة ستكون مؤهّلة لتطبيق الإصلاحات المطلوبة في ظل غياب التفاهم السياسي على كيفية إخراج البلاد من الفوضى؟
في أول جلسة لمجلس الوزراء في بعبدا، أمس، اتّفق كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على ضرورة إقلال الحكومة الجديدة من الكلام والتركيز على الأفعال. ما هي تلك الأفعال وما هي الأولويات والتحدّيات التي تواجه حكومة ميقاتي على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي؟ وهل سيكون هناك قرار سياسي للشروع بالإصلاحات المطلوبة؟
تتمثّل المهمّة الأكبر والألَحّ للحكومة في لجم الانهيار المالي وانعاش الاقتصاد ومعالجة مختلف الأزمات التي تواجهها البلاد، والتي لا تعدّ ولا تحصى. على الحكومة ووزرائها الإدراك جيّدا أنّهم يتعاملون مع أسوأ أزمة اقتصادية على الصعيد العالمي منذ العام 1850. وبالتالي، فإنّ الأولوية هي احتواء الانهيار، واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على مساعدات مالية يحتاج إليها لبنان بشكل ملحّ. هذه هي العناوين العريضة، ولكن الأزمات المعيشية لا يمكن أن تنتظر وضع خطة إصلاح والتوصل إلى اتفاق حول برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي. فلائحة التحدّيات طويلة، وتشمل: تحقيق استقرار العملة الوطنية، مكافحة التضخم المفرط والشحّ الذي يطال مواد رئيسة من محروقات وأدوية ومستلزمات طبية. وهذا ما يتطلب اتخاذ القرار الحاسم والنهائي بشأن رفع الدعم بشكل كامل عن استيراد تلك السلع، وتفعيل البطاقة التمويلية لدعم الأسَر الأكثر حاجة بشكل مباشر، بعد أن قفزت تكلفة الغذاء وحدها نسبة 700% في العامين الماضيين، بحسب مرصد الأزمات في الجامعة الأميركية.
ولتفادي ضغط الشارع والاضطهاد الشعبي، على الحكومة الجديدة أن تضع في سلّم أولوياتها حاجات اللبنانيين المعيشية، حيث يعيش أكثر من 78% منهم حالياً تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة.
التحدّي الآخر الرئيس أيضاً، معالجة النقص الخطير في الأدوية والوقود والكهرباء، والذي يعرّض الصحة العامة للخطر ويشلّ نشاط المستشفيات والشركات والصناعات، وهو الأمر المرتبط مباشرة بقرار رفع الدعم وتحرير الاستيراد. ومن القرارات المستعجلة التي سيتوجب على الحكومة البدء بها، حصة لبنان من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، والتي ستودع في حسابات مصرف لبنان يوم الخميس، والتي تبلغ ملياراً و35 مليون دولار عن العامين 2009 و2021، وهو مبلغ يفوق الـ 860 مليون دولار الذي كانت تنتظره حكومة تصريف الأعمال، والتي سبق أن قسّمت كيفية هدره قبل وصوله، بين 300 مليون لتمويل جزء من كلفة البطاقة التمويلية، و300 مليون دولار لدعم استيراد المحروقات، و300 مليون لدعم استيراد أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية. وبالتالي، سيتوجب على الحكومة الجديدة، استثمار تلك الأموال والسيولة النقدية من العملات الأجنبية بطريقة لا تؤدي إلى هدرها، على غرار احتياطي مصرف لبنان، من دون أن تساهم في معالجة ولو جزء بسيط من الأزمات المتعدّدة.
أما أزمة الكهرباء وفواتير المولّدات الخاصة بعد رفع الدعم، فعلى الحكومة الجديدة أيضاً أن تجد حلاً لها في بأسرع وقت ممكن. فإعادة تأهيل معامل الكهرباء أو بناء معامل جديدة هي أولوية لا يمكن تأجيلها، خصوصاً أنّ الغاز المصري يمكن أن يصل حالياً إلى معمل دير عمار فقط، أي بطاقة إنتاج محدودة، مع العلم أنّ عملية الربط الكهربائي من الأردن مع لبنان، لن تتمّ أيضاً قبل الربع الثاني من العام المقبل، بسبب أعمال الصيانة من قِبل الجانب السوري للشبكة الكهربائية ضمن حدودها.
بالإضافة إلى ذلك، على الحكومة أن تتعامل مع ملف استيراد المحروقات من إيران بشكل غير رسمي، ودخوله إلى لبنان عبر سوريا، ما قد يضع البلاد تحت مجهر العقوبات الأميركية، لعلمها بدخول النفط الإيراني إلى لبنان، أو حتى قد يعرّض مؤسسات القطاع الخاص التي قد تستفيد من النفط الإيراني، إلى العقوبات، في حال تمّت عملية تتبّع توزيع المحروقات وملاحقة المستفيدين منها.
ومن التحدّيات والأولويات الاقتصادية الأخرى التي يجب أن تترافق مع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي:
– الانتهاء من عملية التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والانتقال إلى التدقيق في حسابات كافة الإدارات العامة.
– إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي.
– إعادة هيكلة الدين العام والتفاوض مع الدائنين الأجانب.
– توزيع الخسائر بطريقة عادلة بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين.
– إعادة هيكلة القطاع العام.
– بناء شبكة أمان اجتماعي لحماية الطبقة الفقيرة.
– ضبط المرافئ والمعابر البحرية والجوية والبرية.
– تعديل النظام الضريبي.
– تعديل نظام التقاعد.