الرئيسية / مقالات رأي / ماذا تبقى من ١١ سبتمبر؟

ماذا تبقى من ١١ سبتمبر؟

بقلم: محمد كمال – المصري اليوم 

الشرق اليوم – يوم السبت الماضي مر عشرون عامًا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، الكثير منا يتذكر هذا اليوم، الساعة كانت تقترب من الثالثة ظهرا بتوقيت القاهرة، والتاسعة صباحا بتوقيت مدينة نيويورك الأمريكية، عندما بدأت شاشات التليفزيون بث أخبار ثم صور ارتطام طائرة أولى ثم ثانية ببرجي التجارة العالمية، وهما أعلى بنايات مدينة نيويورك، ورمز للقوة الرأسمالية بهذه المدينة، وفي أقل من ساعتين انهار البرجان المكون كل منهما من مائة وعشرة طوابق. وبعد انطلاق الطائرتين اللتين استهدفتا برجي التجارة العالمية بنصف ساعة انطلقت طائرتان أخريان، إحداهما استهدفت مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) وأحدثت دمارا جزئيا في الجانب الغربي منه، والطائرة الأخرى كانت متجهة إلى قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث البيت الأبيض أو مبنى الكونجرس، ولكن تم تعديل مسارها بعد أن حاول الركاب السيطرة عليها من الخاطفين، وفي النهاية تحطمت في أحد الحقول بالقرب من مدينة بنسلفانيا الأمريكية وشمال واشنطن.

ما حدث في هذا اليوم مثّل صدمة كبرى للولايات المتحدة، التي لم تتعرض أراضيها لهجوم خارجي لعقود طويلة، وحتى الهجوم الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية كان في جزيرة بيرل هاربور بولاية هاواي التي تبعد أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر مربع عن كتلة الأراضي الأمريكية.

الصدمة من الهجوم وحالة الغضب على مقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكي نتيجة له، أدت إلى رغبة في الانتقام. وفي أقل من عشرة أيام أعلن الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الابن في خطاب أمام الكونجرس «الحرب على الإرهاب» وبدأ ترديد عبارات «أن العالم إما مع أمريكا أو ضدها» في هذه الحرب.

الحرب على الإرهاب بعد ١١ سبتمبر أخذت أبعادًا كثيرة، منها ما نشهده حتى الآن في المطارات.

والذي سيعيش معنا لسنوات طويلة، من إجراءات تفتيش دقيقة قبل صعود الطائرات، وخلع للأحذية والأحزمة وتفريغ الجيوب، واستخدام الأجهزة الإشعاعية في التفتيش، بل والتفتيش الذاتي أحيانا.

الداخلي الأمريكي شهد أيضا تغيرات ضخمة، فالمجتمع الذي يقوم على تعظيم حريات المواطن، بدأ في وضع قيود عليها، من إصدار قوانين تجيز مراقبة التليفونات، ووضع أجهزة إلكترونية للتفتيش قبل دخول البنايات العامة وركوب المترو، وأتذكر جيدا أنني زرت الولايات المتحدة بعد أحداث ١١ سبتمبر، وذهبت لمبنى الكلية التي درست بها في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي كان الدخول لمبناها متاحًا لأي شخص يمر بالشارع، ولكن المفاجأة كانت وجود بوابة للتفتيش لمن يدخل هذه المنشأة التعليمية، وسؤال وتحرٍ عن سبب الزيارة والاتصال بالشخص الذي تريد مقابلته قبل السماح بالدخول.

أما خارجيًا، فقد قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بعد أسابيع قليلة من أحداث ١١ سبتمبر، وتلا ذلك غزو العراق والإطاحة بصدام حسين في إطار الحرب على الإرهاب، كما تبنت أجندة ما عرف بالترويج للديمقراطية في الخارج، وتدفقت ملايين الدولارات على منظمات المجتمع المدني في الدول العربية والإسلامية بهدف خلخلة البنية السياسية والاجتماعية في هذه البلدان، وكثفت الولايات المتحدة استخدامها لأدوات القوى الناعمة التي تملكها لاستهداف المنطقة، وأضافت لها أدوات جديدة مثل قناة الحرة التليفزيونية وراديو سوا.

اليوم وبعد مرور عشرين عامًا على أحداث ١١ سبتمبر، ربما لم يتبق من آثارها إلا الإجراءات المتبعة في المطارات، أما الحرب على الإرهاب والمشروع السياسي الذي صاحبها فقد أعلنت الولايات المتحدة فشله، وقررت التخلي عنه.

المتابع للمراجعات الفكرية التي تتم الآن في الولايات المتحدة والتي تمتلئ بها وسائل الإعلام بمناسبة الذكرى العشرين لأحداث ١١ سبتمبر والذي توافق مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، يجد أن هناك توافقًا على أن الولايات المتحدة قد ارتكبت خطأ كبيرا بالخلط بين «مكافحة الإرهاب» و«تغيير النظم»، بين القضاء على «تنظيم القاعدة» وبين إسقاط «دولة طالبان» والعمل على إعادة بناء الدولة الأفغانية وفقًا للرؤى الأمريكية. ونفس المنطق ينطبق على المغامرة الأمريكية في العراق.

تقرير أمريكي رسمي صدر منذ أسابيع عن ما يسمى بالمفتشية العامة الخاصة لإعادة إعمار أفغانستان، والتي أنشأها الكونجرس الأمريكى عام ٢٠٠٨، اعترف بهذا الفشل. التقرير عنوانه «الدروس التي يجب تعلمها» بعد «عشرين عامًا من إعادة الإعمار» وجاء فيه، لقد فرضت الولايات المتحدة «بطريقة خرقاء نماذج تكنوقراطية غربية على المؤسسات الاقتصادية الأفغانية. دربت قوات الأمن على أنظمة أسلحة متطورة لم يتمكنوا من فهمها، ناهيك عن صيانتها؛ فرضت حكمًا رسميًا للقانون على دولة يتم فيها التعامل مع ٨٠% إلى ٩٠% من النزاعات بوسائل غير رسمية».

باختصار فشل مشروع ١١ سبتمبر، ولكن الشعوب العربية والإسلامية، وليس الولايات المتحدة، هي التي تحمّلت الثمن الأكبر لهذا المشروع، ولا تزال آثاره تعيش معنا.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …