افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – بعد مخاض عسير استمر أكثر من سنة ظل لبنان خلالها بلا حكومة، وتم تشكيلها أخيراً.. كانت حكومة حسان دياب التي استقالت في أعقاب انفجار مرفأ بيروت يوم الرابع من أغسطس / آب 2020 تقوم بمهمة “تصريف الأعمال”، وقد تم تكليف سعد الحريري بتشكيل حكومة بديلة، وبقي تسعة شهور يحاول ثم فشل، إلى أن تم تكليف نجيب ميقاتي قبل أكثر من شهر، حيث نجح بعد جهد جهيد في إعلان حكومة من 24 وزيراً.
لبنان يحتاج فعلاً إلى حكومة، لأنه بات غير قادر على الصمود في وجه عواصف اقتصادية ومالية واجتماعية هوجاء تهدد وجوده، وأصبح أكثر من ثلاثة أرباع سكانه تحت خط الفقر، كما بات عاجزاً عن تأمين الوقود والدواء والطحين والكهرباء، ومختلف ضرورات الحياة المعيشية.
هي في نهاية المطاف حكومة ولدت من رحم النظام الطائفي – السياسي إياه الذي أوصل البلد إلى هذه المرحلة من الانهيار، وولادتها كانت نتيجة مساومات صعبة وبعد خلافات على الحصص والحقائب وتوزيعها. ومع ذلك فإنها كانت ضرورية لتأكيد وجود مؤسسات بدأت هي الأخرى تتلاشى تحت وقع الأزمات، وفي ظل فساد استشرى في كل مفاصل الدولة التي فقدت قدرتها على ضبط الأوضاع.
لا نغالي إذا قلنا إن هذه الحكومة لن تحقق المعجزات، لأنها غير قادرة على ذلك، ولأن الكارثة تجاوزت قدرتها، خصوصاً أنها ابنة النظام إياه الذي أوصل لبنان إلى ما وصل إليه.
مهمة هذه الحكومة لن تكون أكثر من وقف الانهيار من خلال إصلاحات اقتصادية ومالية عاجلة تقنع دول العالم بدعمها ومساندتها، وتمكّن لبنان من الصمود وتحرك عجلة الحياة، وتعطي الناس فترة للتنفس. بمعنى أنها لن تكون خشبة خلاص بل قشة تمثل بصيص أمل بالوصول إلى بر الأمان.
هذه مهمة أولى للحكومة، أما المهمة الثانية فهي الإعداد للانتخابات النيابية والإشراف عليها خلال شهر أيار / مايو المقبل، وهي مهمة ليست بالهينة، لأنها ستؤدي إلى مجلس نيابي جديد سوف ينتخب رئيساً جديداً للبلاد خلفاً للرئيس الحالي ميشال عون. لذلك فإن بعض القوى السياسية والطائفية بدأت تعد العدة، وتهيئ ماكيناتها الانتخابية من الآن، وتضع الخطط لتأكيد حضورها الشعبي وزيادة حصتها في البرلمان مستفيدة من النقمة الشعبية على مجمل الطبقة الحاكمة، وهو أمر يتطلب استعدادات لوجستية ومالية، والتقرب من المجتمع المدني الذي لعب دوراً في الحراك الشعبي يوم 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019. كما أن بعض هذه القوى تحاول أن تبدل جلدها، بمحاولة الظهور بأنها ليست جزءاً من الطبقة إياها التي مارست الفساد، لعلها تكسب مزيداً من المقاعد.
الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي سُرقت ودائعها وفقدت قيمة رواتبها، حيث انهارت قيمتها الشرائية، وتقف في طوابير الذل أمام محطات الوقود والأفران والصيدليات والمستشفيات، لم يعد يهمها أكثر من وقف الانهيار وترميم ما يمكن ترميمه.