الرئيسية / مقالات رأي / حرب ناعمة متعددة المسارات

حرب ناعمة متعددة المسارات

بقلم: علي قباجه – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – بعد أن اكتوت البشرية بنار الحرب العالمية الثانية وتداعياتها، أصبحت الدول الكبرى اليوم في صراعاتها أكثر حذراً، كي لا تنجرف الأمور إلى اقتتال شامل يأكل الأخضر واليابس، خاصة مع تطور الأسلحة إلى نووية وبيولوجية قادرة على تدمير العالم. لذا لجأت الدول في صراعاتها إلى «حرب الظل» التي تأخذ شكلاً ما بين السلم والحرب من خلال انتهاج القوة الناعمة في شن الضربات الموجعة، أو إلى حروب الوكالة واستخدام الدول الأقل قوة في توجيه ضربات لدولة أخرى عظمى.
هذه الحرب – متعددة المسارات – تدور الآن رحاها بين المعسكرين الشرقي وقوامه روسيا والصين، والغربي المكون من أمريكا وأوروبا عموماً. فموسكو وبكين تخوضان حرباً تكتيكية ضد أمريكا ومن خلفها الاتحاد الأوروبي- وإن بدرجة أقل- من خلال الهجمات الإلكترونية الواسعة، أو المزاحمة في الفضاء الخارجي، وخوض حروب تجارية، إضافة إلى ملاحقة نفوذهم في مختلف دول العالم، حيث إن الصين بدأت تتغلغل في إفريقيا ودول آسيوية عدة، وروسيا كذلك في الجمهوريات السوفييتية السابقة وأمريكا اللاتينية والقارة السمراء، بهدف جلب هذه الدول إلى مربعها، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، إلى جانب التدخل العسكري عند الضرورة، كما فعلت روسيا في أوكرانيا المدعومة غربياً والسيطرة على جزء من أراضيها، في رسالة صارمة أنها قد تلجأ إلى القوة لحل المعضلات المهددة لها، تماماً كما تفعل بكين في البحر الصيني الجنوبي المتنازع عليه.
لكن اعتماد الصين وروسيا الأكبر بات الآن على الفضاء الإلكتروني بهدف إرباك أمريكا عبر استهداف مجتمعها الذي يولي أهمية كبرى لهذا الفضاء، حيث كان الثغرة التي ولجت من خلالها موسكو للتأثير على الانتخابات الأمريكية كما ذكرت واشنطن، بينما الصين شنت هجمات إلكترونية على الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، لتكشف هذه الهجمات كيف أن «التنين» تحول إلى خصم رقمي أكثر تعقيداً ونضجاً من ذي قبل، لتفتح هاتان الدولتان جبهة دائمة قائمة في أراضي «دولة العدو».
كما انطلق التنين الصيني والدب الروسي نحو الفضاء والأسلحة الاستراتيجية المتطورة، فبكين بدأت ببناء محطتها الخاصة، وإطلاق أقمار متعددة الأغراض، تزامناً مع نشر موسكو في الفضاء الخارجي أسلحة مُصممة لتدمير الأقمار الصناعية الأمريكية، وفي أسفل المحيطات، نشرت فئتين جديدتين من الغواصات الهجومية والصواريخ البالستية التي يصعب تعقبها. وهذه الأسلحة هي أوراق ضغط لدفع أمريكا للتراجع عن استفزازاتها مع استبعاد استخدامها إلا عند الضرورة القصوى، وبحسب معطيات الميدان.
الصراع على أشده بين التكتلين، ولا يبدو أن ثمة أفقاً لتخفيف حدته، فما زالت أمريكا تحشد حلفاءها لمواجهة التمدد «المعادي» كما تصفه، في المقابل فإن المعسكر الشرقي عازم على قطع أذرع أمريكا بغض النظر عن أية تكلفة. لكن مهما علت أصوات هذا الصراع الخفي فإن أصوات القنابل ستبقى مكتومة، فالأطراف لا زالت تحافظ على الحد الأدنى من ضبط النفس، لأن عكس ذلك يعني التدحرج نحو فناء العالم.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …