بقلم: نبيل سالم – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- قد لا يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة ما تزال تتصدر المشهد العالمي والنظام الدولي، على اعتبارها الدولة الأكثر قوة عسكرية في العالم، إضافة إلى قوتها الاقتصادية وسيطرتها على مفاصل الاقتصاد العالمي، حيث تشكل العملة الأمريكية (الدولار) نحو 60% من احتياطيات البنوك في العالم، فضلاً عن التقدم العلمي الذي تحظى به، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، وبرز بقوة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، هو عن سبب تراجع الدور الأمريكي في أكثر من منطقة، لا سيما في المناطق الساخنة التي كانت لاعباً أساسياً في أحداثها.
في الحقيقة، لو نظرنا إلى الواقع الأمريكي الراهن لوجدنا أن هناك أسباباً بعيدة لهذا التراجع، لعل أبرزها هو تلك السياسات الخاطئة التي انتهجتها الولايات المتحدة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وتلك الحروب الكثيرة التي خاضتها اختيارياً وفي معظم الحالات بعيداً عن المجتمع الدولي ومؤسساته التي أسهمت في إيجادها، بحجة الحفاظ على الأمن والسلم العالميين، وأهمها الأمم المتحدة، والتي أثبتت الأيام أنها كانت حروباً غير عادلة على الرغم مما سوقته واشنطن للرأي العام العالمي من مبررات، بأن هذه الحروب تأتي في إطار مسؤوليتها في حفظ الأمن والاستقرار في العالم، كما هو الحال في غزو أفغانستان والعراق والتدخل العسكري في ليبيا وسوريا، وقبلها التدخل في فيتنام ويوغسلافيا وغيرها من دول العالم، وهي كثيرة، اكتوت شعوبها بنار الحروب الأمريكية التي انتهت في أغلبها بهزيمة أمريكية مستترة أو معلنة، كما حصل في فيتنام على سبيل المثال، أو تمويلها للانقلابات العسكرية، ومحاولات تغيير الأنظمة السياسية في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، ما أفقدها الكثير من المصداقية في تعاملها مع الدول الأخرى.
ويرى كثير من المؤرخين أن أهم أسباب انحدار الدول وتقهقرها، قد يعود أحياناً إلى تمددها العسكري غير المحسوب، والذي يأتي بسبب عقلية السوبرمان التي تقودها إلى مغامرات كثيرة، وهذه العقلية تعززت في السياسية الأمريكية كثيراً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؛ إذ بدا لراسمي السياسة في البيت الأبيض أن انتهاء حقبة الحرب الباردة ولّد ما يعرف بالقطب الواحد، وبالتالي بسط السيطرة والهيمنة الأمريكية على العالم، الذي ظن قادة الولايات المتحدة أنه أمر سهل المنال، لكن وقائع الأحداث جاءت لتكذب هذه الاعتقادات وتثبت أن العالم لا يمكن قيادته بالعصا الأمريكية، مهما كانت قوة الولايات المتحدة، لا سيما مع غياب أي بعد أخلاقي في كثير من الحروب التي أقحمت فيها واشنطن نفسها، تحت شعارات براقة كنشر الديمقراطية، أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو محاربة الإرهاب، أو أسلحة الدمار الشامل، وغيرها من الشعارات التي ثبت بالملموس أنها لم تكن سوى يافطات لتبرير النزعات العدوانية. فلا غزوها للعراق أمن الاستقرار لهذا البلد، ولا تدخلها في سوريا أسهم في تقريب التسوية السلمية للأزمة السورية، ولا غزوها لأفغانستان استطاع أن يعيد الأمن والديمقراطية إلى هذا البلد؛ بل بالعكس قاد إلى عودة حركة طالبان إلى السلطة، بعد عقدين من الزمن وفي يدها عشرات آلاف المركبات والعربات المدرعة والأسلحة الأمريكية المختلفة، ما يُنذر بولادة صراعات أخرى في دول آسيا الوسطى.
أخيراً، يمكن القول إن ما يسمى بالهيمنة الليبرالية الأمريكية قد فشلت فشلاً كبيراً، وباتت مكلفة جداً، لا سيما أن قوى عالمية أخرى تنافس تلك الهيمنة الأحادية اقتصادياً وأحياناً عسكرياً.