بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- تستخدم إيران أقوى ورقة لديها في مفاوضات فيينا، ألا وهي عدم العودة إلى طاولة الحوار لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 من دون أن تضمن مسبقاً تنازلات من الولايات المتحدة ورفعاً كاملاً للعقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عقب انسحابه من الاتفاق عام 2018.
ولا يبدو أن الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي او إتصال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بنظيره الإيراني أمير حسين عبد اللهيان، قد أثمرا تغييراً في الموقف الإيراني، الرافض للعودة إلى المفاوضات قبل ثلاثة أشهر، وفق ما أعلن الوزير الإيراني نفسه قبل أيام.
وتتكئ إيران في مماطلتها، على دعم روسي وصيني من شأنه أن يحول دون إحالة المسألة على مجلس الأمن، إذا ما رغبت في ذلك واشنطن ولندن وباريس وألمانيا، وهي الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي.
هذا الموقف الإيراني المتشدد، يترجم توجهاً كان متوقعاً منذ انتخاب المحافظ إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران في أيار (مايو) الماضي. ولطالما كان التيار المحافظ في إيران من أشد المنتقدين لإدارة الرئيس السابق حسن روحاني بسبب الطريقة التي أدار بها المفاوضات مع القوى الكبرى.
وبينما المفاوضات معلقة، تستغل إيران هذه الفترة لتزيد من كمية اليورانيوم المخصب لديها. وقد أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحذيراً شديداً في هذا المجال عندما أعلنت قبل ثلاثة أيام، أن إيران صار لديها الآن 2441.3 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب، وتشمل تلك الكمية 84.3 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين في المئة (ارتفاعاً من 62.8 كيلوغراماً في آخر تقرير للوكالة في أيار (مايو) الماضي)، إضافة إلى 10 كيلوغرامات مخصبة بنسبة 60 في المئة (ارتفاعاً من 2.4 كيلوغرامين). ويفترض الاتفاق النووي الموقع عام 2015، أن يكون لديها مخزون إجمالي لا يتجاوز 202.8 كيلوغرامين، أي ما يعادل 300 كيلوغرام في شكل مركب.
زيادة الكميات من اليورانيوم المخصّب بنسب عالية، تقرب إيران من الحصول على سلاح نووي في غضون ثلاثة أشهر بحسب تقديرات أميركية وإسرائيلية. وهذا الموضوع كان على رأس جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى البيت الأبيض في 27 آب (أغسطس) الماضي. وكان بعد الاجتماع تحذير واضح من الرئيس جو بايدن عندما قال إنه إذا لم تنجح المفاوضات في منع إيران من الحصول على القنبلة النووية “فإننا سنلجأ إلى وسائل أخرى” لمنعها من حيازة القنبلة.
وإذا كان بايدن لم يفصح عن ماهية “الوسائل الأخرى”، ذلك لأنه لا يزال يعتقد أن ثمة فرصة للدبلوماسية كي تنجح في كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، على رغم المماطلة الإيرانية في العودة إلى فيينا.
ويدرك بايدن أن إيران تماطل لتنتزع تنازلات أوسع من الولايات المتحدة، وأن لا مناص في نهاية المطاف من قبول إيران بالشروط الأميركية، لأن طهران من مصلحتها رفع العقوبات الأميركية عنها، لأن لا سبيل إلى إحداث تعافٍ حقيقي لاقتصادها من دون رفع هذه العقوبات.
وعلى رغم أن الصين وروسيا ساعدتا إيران على التخفيف من وطأة العقوبات الأمريكية، إلا أن ذلك لن يشكل بأي حالٍ بديلاً يعوّض طهران الخسائر التي تتكبدها جراء العقوبات الأميركية.
لذا ثمة رهان أمريكي على عودة إيران إلى المفاوضات، وأن رفع سقف المطالب لا يعدو كونه محاولة من القيادة الإيرانية للظهور بمظهر المفاوض الذي يملك الكثير من الأوراق على الطاولة، من التمهل في العودة إلى فيينا إلى زيادة مخزون اليورانيوم. إنه الضغط الأقصى الإيراني على فيينا. لكن ماذا بعد؟