بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – سجلت تدفقات السودانيين العابرة للحدود للاستقرار النهائي أو العلاج أو الزيارة إلى العاصمة المصرية طوال العامين الأخيرين معدلات غير مسبوقة ولافتة بشدة، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التوقعات والتكهنات حول مستقبل العلاقات السياسية والاجتماعية بين القطرين والشعبين، وما إذا كانت هذه الحركة السكانية المتعاظمة ستدفع باتجاه إيقاظ وتقوية تيار«وحدة وادي النيل» وإكسابه الزخم الشعبي الضروري للإمساك بزمام المبادرة.
وما يجعل هذا القول واقعياً أن الهجرة السودانية الجديدة باتجاه الشمال تقابلها على الجانب الآخر توسعاً ظاهراً للعيان في النشاط التجاري المصري المتجه إلى السودان. والمعروف أن الأنشطة التجارية المباشرة تمهد وتسهل الطريق أمام نجاح المبادرات السياسية الخلاقة من حيث إنها تضع الأرضية القوية المتماسكة للوحدة بين الشعبين.
وبغض النظر عن دوافع وأسباب هجرات السودانيين الجماعية الجديدة ومن بينها تردي الخدمات والاضطرابات الأمنية وتراجع أداء شاغلي الوظائف الحكومية، بالرغم من كل ذلك إلا أن هذه الحركة يمكن أن تلهم القيادات الرسمية والشعبية في كلا البلدين إلى نوع من التفكير خارج الصندوق، بما يعني إعادة طرح فكرة الوحدة المصرية السودانية مجدداً على طاولة البحث، سواء كانت هذه الوحدة اندماجية شاملة حسب ما كان يدعو له تيار وحدة وادي النيل السوداني السابق أو وحدة كونفدرالية.
ويقول المفكر السوداني الراحل أبو القاسم حاج حمد إن قادة الاستعمار الإنجليزي هم الذين أحبطوا فكرة الوحدة السودانية المصرية بعيد انسحابهم من السودان، وأنهم حرضوا بعض القادة السياسيين السودانيين على محاربة فكرة بقاء السودان ومصر ضمن دولة واحدة ورفع شعار الاستقلال بديلاً عن الدولة التي تشمل القطرين معاً. ويوضح أبو القاسم حاج حمد أيضاً أن مستقبل السودان يكمن في الاتجاه نحو المتوسط «اتجاه متوسطي» أكثر من الانشداد نحو العمق الإفريقي. ولا شك أن مصر هي بداية المتوسط.
وبالحسابات المجردة، فإن دولة وادي النيل تشكل وضع «رابح رابح» لكلا الشعبين المصري والسوداني وللعالمين العربي والإفريقي، وقيمة مضافة للأمن والسلام الدوليين.
فالسودان يضم أراضي زراعية واسعة وتنوعاً في مصادر المياه الجوفية ومياه الأمطار بالإضافة إلى نهر النيل وفروعه، وهو يضم أعداداً هائلة من الثروة الحيوانية والمراعي الواسعة وثروات معدنية كبيرة، ومصر تمتلك قاعدة صناعية متطورة للغاية وقوة بشرية عالية التأهيل والكفاءة، وتاريخاً حضارياً ممتداً ومرتبطاً مع السودان عبر الحقب والأزمان بالإضافة إلى إطلالة على البحر الأبيض المتوسط وتنوعاً في المناخ والثقافات.
ودولة وادي النيل المأمولة ستحوز رقعة جغرافية تجعلها البلد الأكبر على مستوى المحيطين العربي والإفريقي وتعداداً سكانياً يفوق الـ 140 مليون نسمة، وتتمدد على ساحلي البحر الأحمر والأبيض المتوسط وامتدادات حضارية شرقية وغربية وإفريقية بشكل لا مثيل له في دول العالم قاطبة.
والتفكير خارج الصندوق يقتضي وضع فكرة دولة وادي النيل قيد البحث مجدداً استجابة للظروف وتصحيح أخطاء الماضي ووضع الأمور في نصابها الصحيح.