By: Samuel Moyn
الشرق اليوم – في كلمة ألقاها مؤخراً، وصف الرئيس بايدن قراره بالانسحاب من أفغانستان برغبته في إنهاء «الحرب اللانهائية». ولكنه وعد أيضاً بأن بلاده سوف «تواصل مكافحة الإرهاب في أفغانستان وبلدان أخرى». وقال إن الواقع اليوم أننا «لا نحتاج إلى خوض حرب برية لتحقيق ذلك».
في هذا الخطاب أوضح الرئيس بايدن ما كان واضحاً بالفعل. مع خروج آخر القوات الأميركية من البلاد الآن، يصبح من الواضح ما هو إرث الولايات المتحدة للعالم على مدى السنوات العشرين الماضية: شكل جديد مثير للقلق من أشكال محاربة الإرهاب، ولكنه في الوقت نفسه إنساني ولا نهاية له. أسفر ذلك عن تغيير التقاليد الأميركية في صناعة الحروب، والانسحاب من أفغانستان هو في الواقع، خطوة أخيرة في هذا التحول.
إن الرغبة في خوض حرب أكثر إنسانية لم تكن لتصبح منطقية بالنسبة للأجيال السابقة من الأميركيين. كان القتال الأميركي الذي نشب في حروب مستمرة بلا هوادة ضد السكان الأصليين وحشياً حتى قبل أن يذهب إلى الخارج. وقد توسع نطاق أعمال العنف المماثلة لاحقاً ضد الفلبينيين في أول حملة إمبريالية لمكافحة التمرد في الخارج. ولم تسفر الحرب الجوية إلا عن تكثيف التقاليد الأميركية الوحشية، وفي الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، وفيتنام، لم يتم احترام سوى أقل القليل من القيود، سواء من حيث المبدأ أو الممارسة. فالعدو الآسيوي يقارن بانتظام بالأميركيين الأصليين – وكانوا أهدافاً مشروعة للعنف نفسه – من جانب المعلقين والجنود.
ولم تتبخر هذه التقاليد بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001. في بعض الأحيان كان الشرق الأوسط يعامل باعتباره جبهة جديدة؛ وورد أن القوات التي قتلت أسامة بن لادن في عام 2011 أطلقت عليه اسم «جيرونيمو». ولكن في تلك المرحلة كانت الثقافة الأميركية قد ولدت بالفعل تقليداً جديداً، وهو التقليد الذي لا يزال يميز الحرب على الإرهاب.
لقد وُضع الأساس بعد حرب فيتنام، التي تركت العديد من الأميركيين يخجلون من العنف الذي تمارسه بلادهم في الخارج. وفي الوقت نفسه، كان النشاط العالمي يدفع باتجاه جعل قوانين الحرب، سواء كانت متجاهلة أو متساهلة من قبل، أكثر إنسانية في مضمونها وأكثر احتراماً في الممارسة العملية. وفي السبعينات، ولأول مرة، صيغ الالتزام بعدم استهداف المدنيين – لا سيما في عمليات القصف الجوي – على الورق، إلى جانب اشتراط جديد بعدم توجيه ضربة جوية إلا مع تفوق الميزة العسكرية المتوقعة على الأضرار الجانبية المحتملة.
بدأت المنظمات الإنسانية بمراقبة أخلاقيات القتال وقوانينه. على سبيل المثال، شرعت «هيومن رايتس ووتش» في ذلك في نزاعات الثمانينات بأميركا اللاتينية. والأهم من ذلك، أن الضرر الذي لحق بسمعة فيتنام دفع البعض داخل الجيش الأميركي للاستنتاج بأن القتال بشكل أكثر إنسانية وقانونية كان أمراً حيوياً. أصبح القانون أكثر أهمية بالنسبة لعقيدة المقاتلين. وكما لاحظ المُنظر السياسي مايكل والزر، فإن قواتنا المسلحة اكتشفت «فائدة الأخلاق»، التي كانت «شيئاً جديداً جذرياً في التاريخ العسكري».
بحلول نهاية الحرب الباردة، بدأ المسار الجديد. حرب الخليج عام 1991 كانت أول نزاع دولي تفحصه هيومن رايتس ووتش من زاوية انتهاكات قانون الحرب، وأول نزاع ساعد فيه المحامون العسكريون على اختيار الأهداف.
لكن هذه التطورات حدثت مع تلاشي الطاقة المضادة للحرب، والتي ألهمتها حرب فيتنام. كما أدى تنامي النزاهة القانونية إلى تقييد قدرة العاملين في المجال الإنساني والجيوش على المجادلة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تتبع القواعد بالقدر الكافي، بدلاً من ذكر ما إذا كان ينبغي خوض الحروب في المقام الأول.
وأصبحت الحرب الأكثر إنسانية مصاحبة لسياسة خارجية متزايدة في التدخل. لم تكن الحروب السابقة بحاجة إلى أن تبدو إنسانية لكي تحظى بالشرعية من عامة الناس، ولكن الحروب الجديدة عادت تحت مناخ أخلاقي متغير. في عصر ما بعد الحرب الباردة، كان كل من الحزبين السياسيين الأميركيين ملتزماً استخدام القوة الأميركية على نحو أكثر احتراماً للمبادئ. وأصبحت مذاهب مثل الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان أسساً منطقية مفصلة لمضاعفة النزعة العسكرية.
ثم جاءت السنوات التي تلت 11 سبتمبر (أيلول). وقد أثار شبح التعذيب، مثل معاملة المعتقلين في المواقع السرية والاعتقالات في غوانتانامو، حساسية أخلاقية موازية، كانت الأهم بالنسبة للمعارضين داخل إدارة جورج دبليو بوش، فضلاً عن زمرة متنامية من النقاد في الخارج لا تتعلق بمكان نشوب الحرب ولا بمدة استمرارها، وإنما بما إذا كانت القوانين التي تحكم السلوك قد اُحترمت من عدمه.
في أعقاب نشر صور سجن أبو غريب في أبريل (نيسان) 2004، ساعد القلق الإنساني في إزالة وصمة التعذيب والإهانات الأخرى من برنامج الحرب اللانهائية، وبالتالي إعادة تقويم هذا البرنامج: ففي نهاية المطاف، قد يؤدي انتقاد حرب بالتركيز على سلوكها الفظيع إلى نسخة مختلفة ومحسنة من تلك الحرب، بدلاً من إنهائها. وهذا هو ما حدث بالضبط.
ترجمة: الشرق الأوسط